اقتصاد «البشرة السمراء» فى الأرض الخضراء.. دلكة وحنة وتعطير
محال تبيع منتجات السودانيين
علاقات اقتصادية غير مرضية.. هكذا انتقد النائب حاتم باشات، رئيس لجنة الشئون الأفريقية بالبرلمان، حجم التبادل التجارى بين مصر والسودان، الذى يصل حالياً إلى 18 مليون دولار، مشيراً إلى أنه رقم ضعيف جداً لأنه كان يصل لـ4 مليارات فى السابق، حال لا يبدو أنه سيستمر طويلاً، فبحسب السفير السودانى فى القاهرة، عبدالمحمود عبدالمجيد، تجرى حالياً مجموعة من التحضيرات والتدابير من أجل تفعيل التعاون الثانى بين البلدين على كافة المستويات بما فيها التجارية، تقارير رسمية تتحدث عن المنتجات الأساسية فى التبادل التجارى بين البلدين كالسلع الغذائية وعلى رأسها اللحوم السودانية، والسمسم والقطن، والفول والعدس، لكن سوقاً موازية لا تدخل فى حسابات أو أرقام التبادل الرسمى، تعتمد على مجموعة من المنتجات السودانية الخالصة التى تحوز على ثقة قطاع كبير من المصريين خاصة تلك المتعلقة بالتجميل والعطور وغيرها.
الطريق البرى «قسطل - أشكيت» بين مصر والسودان ساهم فى ازدهار التجارة الخفيفة بين البلدين.. ومنتجات سودانية تعتمد على موزعين مصريين من منازلهم
ثمة أسواق واضحة للمنتجات السودانية فى مصر، على رأسها سوق الأربعاء بمحطة السكة الحديد بالسد العالى فى محافظة أسوان، سوق أسبوعية بحكم الموقع تحمل الكثير من المنتجات السودانية التى لم يبد أنها توقفت عند المحافظة السمراء فامتدت إلى باقى الجمهورية فى دوائر مغلقة تحمل مع أصحابها روائح السودان إلى قلب البيوت المصرية، ارتباط تام بين الأجواء السودانية وليلة الحناء المصرية، بداية من الثوب السودانى الذى تحرص أغلب العرائس على ارتدائه مروراً بـ«الحنانة السودانية» التى أصبحت طقساً فى الليلة الشهيرة، مروراً بمراحل تجهيز العروسة التى تلعب فيها المنتجات السودانية دور البطولة، بداية من الدلكة والخمرة والحناء مروراً بالبخور والروائح وحتى «الكرابيج السودانى» الشهيرة التى يحرص الكثيرون على شرائها من أجل الرقص بها أثناء الأفراح والاحتفالات خصوصاً فى محافظات الصعيد.
تجارة خفية ساهم فى ازدهارها الطريق البرى الجديد قسطل - أشكيت بين مصر والسودان، لا تتوافر بشأنها أرقام واضحة، لكن العاملين بالمجال يؤكدون الإقبال والثقة من جانب المصريين على المنتجات الطبيعية السودانية «دلكة وش سودانى 10 كور مع 100 جرام أعشاب العروسة السحرية بـ50 جنيه تكفى 40 مرة، حنة سودانى أصلى النصف كيلو بـ25 جنيه، أما الدلكة السودانى الأصلية معطرة بالمخمرية والعطور الشرقية 12كرة 300 جرام بـ50 ج» نموذج للمنتجات السودانية الرائجة مع أسعار مغرية.
ألطاف: الناس بتثق فى السودانيين وببعت لأهلى فى السودان اللى يعينهم على الحياة
زيوت الكركار والسمسم وزبدة الشيا، قليل من منتجات سودانية تتاجر فيها الشابة هبة الله أحمد، القاطنة بمحافظة سوهاج، لم تكن الشابة التى تخرجت فى كلية الحقوق تتخيل أن الصدفة ستقودها لبيع المنتجات السودانية بمحيطها فى محافظة سوهاج، بدأت القصة معها كمستهلكة للمواد «كان شعرى بيقع بشكل كبير، ممكن بالخصلة والسبع شعرات مع بعض بسبب الرضاعة» كثير من المحاولات لإيجاد حل قامت بها حتى انتهت إلى إحدى الوصفات السودانية من أحد معارفها «طمنتنى إنها طبيعية ١٠٠٪ ومفيهاش كيماويات عشان الرضاعة والنتيجة عجبتنى»، هنا بدأت الشابة تسأل عن الطريق حتى وصلت إلى المقر الأصلى فى منطقة أرض اللواء بالجيزة، حيث عدد من المحلات السودانية التى تأتى بالمنتجات السودانية الأصلية وتبيعها لعدد غير قليل من المصريين من مختلف المحافظات كموزعين غير ثابتين «بدأت أبيع فازلين حبشى وكركار، قلت لزميلاتى وجيرانى لقيتهم بيشتكوا من نفس مشاكلى، جبتلهم بالجملة والموضوع اتطور لوحده»، منتجات يتم تصنيع بعضها بالسودان والبعض الآخر بالقاهرة على أيدى السودانيين أنفسهم «محدش يعرف سر الخلطة غيرهم».
ألطاف، سيدة سودانية أربعينية تعيش وحدها مع صغيرها فى القاهرة منذ توفى زوجها قبل عدة سنوات، لم تنل قسطاً من التعليم لكنها تتقن رسم الحنة، وبقليل من الخبرة مع صديقاتها أصبحت تتقن مجموعة أخرى من الخدمات التى تقدمها للعرائس فى ليلة الحنة، لتصبح العروس فى عهدتها من الألف للياء «الناس بتسألنى أول ما أرد على التليفون انتى سودانية ولا مصرية، بيرتاحوا أكتر للسودانيات»، تتحدث العربية بطلاقة وتدير عملها بالكامل عبر الهاتف المحمول «اللى بروحلها ليلة الحنة باستلمها من الألف للياء إزالة كاملة لشعر الجسم، تكييس، وحمام مغربى، وحمام عطور، ودلكة سودانى، ودم غزال وماسكات للجسم، وحمام وردى والأساس رسم الحنة»، مهام تقوم ببعضها أو كلها لكن المهنة تظل بسيطة رغم مكاسبها: «ببعت لأهلى فى السودان اللى يعينهم على الحياة وبصرف على ابنى وعلى سكنى وكل شىء»، صحيح أنها قد تتحصل من العروس الواحدة على مبلغ يتراوح من 200 جنيه إلى 600 جنيه بحسب المطلوب، لكنها أرقام تبقى بلا تأثير أمام متطلبات الحياة اليومية فى القاهرة، حيث يلتهم رزقها الغلاء، لا تفكر فى العودة إلى السودان حالياً: «معرفش هاشتغل إيه لو رجعت؟».
منتجات بسيطة تباع بشكل عفوى فى السودان بدا أنها تعجب الكثير من المصريين: «مجرد ما يعرفوا إنها من السودان تعجبهم، خصوصاً إن الأسعار بسيطة والجودة كمان»، تعد مناطق تجمع السودانيين بالقاهرة هى المركز الرئيس لمنتجاتهم التى يحصل عليها المهتمون ويقومون ببيعها فى أنحاء الجمهورية، كتجمعهم بمنطقة وسط البلد، وأرض اللواء بالعجوزة، «اللى عاوز بيروح يشترى لكن هم نفسهم ما بيتحركوش بالمنتجات، لذلك مش منتشرة إلا على يد اللى بيشتغلوا زى حالاتى» تتحدث السيدة التى تعيش كآلاف مثلها وسط المصريين فى محاولة للتكيف، لكن ما يسرى على أهل البلاد يسرى عليها وأهل بلدها المغتربين، ومن بينهم إبراهيم محجوب، التاجر السودانى الذى يأتى إلى مصر من أجل إمداد محله فى الخرطوم بالنواقص التى لا تتوافر فى بلده من قطع غيار السيارات، عانى بدوره كبقية السودانيين من ارتفاع الأسعار «أسعار قطع الغيار زادت، والأكثر تعقيداً من قطع الغيار الإجراءات الروتينية المعقدة بعكس السودان، حيث كل شىء سهل حيث يتم معاملتى كتاجر صغير مع ذلك قلت الأرباح للغاية بسبب الأوضاع فى مصر» المواطن السودانى الذى يتاجر فى قطع غيار الشاحنات الهينو تعرضت تجارته لأكثر من هزة لم يكن ارتفاع الأسعار فى مصر وحده السبب بها، كانت البداية مع انفصال الجنوب عن الشمال حيث انهار الجنيه، وكذلك قيام الثورة المصرية ساهم فى مفاقمة الأزمة.