يمتلك المهندس أحمد عز، آخر أمناء تنظيم الحزب الوطنى المنحل الجرأة لأن يكتب مقالاً صحفياً! وجرأة أكثر لأن يكون المقال روشتة اقتصادية! وجرأة أكثر وأكثر لأن يكون عنوان المقال «دعوة للتفاؤل»!
أحمد عز فى السطور السابقة هو ملك الحديد المشهور.. والذراع اليمنى لجمال مبارك.. وهو أيضاً وبكل فخر أول المفصولين من الحزب الوطنى بقرار من قياداته قبل حله! وأحمد عز الذى فى السطور السابقة هو نفسه رئيس لجنة الخطة والموازنة فى مجلس الشعب لآخر عشر سنوات فى حكم مبارك.. وهو نفسه «زعيم الأغلبية» فى مجالس الشعب المزورة.. المزورة بأحكام المحاكم وبإجماع المصريين.. هو زعيم المزورين والمزور لهم.. وهو أمين التنظيم وزعيم الأغلبية فى حزب وبرلمانات نواب سميحة والكيف والقروض.. وهو مهندس تنظيم الحزب الذى يحاكم أغلب رموزه منذ سنوات بتهم مختلفة أقلها استغلال النفوذ.. وهو أمين تنظيم الحزب الذى شكلت قياداته فى محافظات مصر مراكز قوى احتكرت النفوذ إلى جانب السلطة فاحتكرت تراخيص المخابز والأفران ومحطات الوقود.. واستولت على كل فرص العمل المتاحة لتجامل بها الأقارب والمحاسيب وأصحاب الثقل الانتخابى على حساب المتفوقين والأكفاء وأبناء الغلابة والفقراء.. واستحوذت وحدها أيضاً على كل الأماكن المتاحة للقبول فى كليات القمة لتعطى الفرصة لمن تشاء.. وتحرمها ممن تشاء.. فى أبشع صور الظلم الاجتماعى!
أحمد عز.. الرجل الثانى فعلياً فى الحزب الذى أضاع أملاك الشعب المصرى فى الخصخصة فأهدروها وباعوها بأبخس الأثمان.. والرجل الثانى فى الحزب الذى جفف مخصصات العلاج المجانى للغلابة فى المستشفيات العامة.. والذى جعل التعليم فى البلاد نهباً لتدخلات أجنبية ومناهج تراجع أمريكياً وأنظمة تعليم ليست إلا حقول تجارب.. وأحمد عز الذى فى عهد حزبه ضرب القضاة وسحلوا أمام ناديهم وهتكت أعراض الصحفيات أمام نقابتهن وكسرت عظام نواب مجلس الشعب المعارضين بالقرب من مجلسهم.. وأحمد عز الذى فشل حزبه فى حل مشاكل النظافة والزحام المرورى وتنظيم طوابير المخابز حتى بلغت الوفيات بالاختناق وفى القتال صراعاً للحصول على أرغفة العيش حداً مجنوناً.. وأحمد عز الذى فى عهد حزبه استولى الإخوان وبالانتخابات النزيهة على نقابات المحامين والعلميين والمعلمين وعدد من النقابات الأخرى بينما حزبه يتفرج.. فلا هو قادر على مواجهة الإخوان ولا ترك الفرصة لغيره لمواجهتهم.. وأحمد عز الذى فى عهد حزبه بات المسئول الشريف يحتاج ملقاطاً للعثور عليه ومجهراً لرؤيته وصار الشرف استثناء واللصوصية أصلاً.. أحمد عز هذا يكتب مقالاً صحفياً! ويحمل المقال روشتة اقتصادية! ويكون عنوانه: «دعوة للتفاؤل»!
قد يكون الرجل أصيب «بأحلام اليقظة»، والبعض من علماء النفس يعتبره مرضاً والبعض لا يعتبره كذلك إلا أن أستاذاً لامعاً للطب النفسى، مثل الدكتور على شلش، أستاذ الأمراض النفسية والعصبية يعرفها بأنها: «عبارة عن استجابات بديلة للاستجابات الواقعية فإذا لم يجد الفرد وسيلة لإشباع دوافعه فى الواقع، فإنه قد يحقق إشباعه جزئياً عن طريق التخيل وأحلام اليقظة.. وبذلك يخف القلق والتوتر المرتبط بدوافعه» وربما اختار عز ودون أن يدرى أن يشبع دوافعه فى الواقع فصدق أنه هو تحديداً يمكن أن يكتب مقالاً ويكون روشتة لإصلاح الاقتصاد وعنوانه هو: «دعوة للتفاؤل» رغم أنه هو أصلاً.. بشحمه ولحمه عنوان لكل تشاؤم ليس لسيرة حزبه فقط، وإنما لسيرته هو نفسه.. ومن لا يصدق، عليه أن يراجع شهادة الحزب المنحل فى المذكور.. وشهادة المصريين فيهم جميعاً.. فى المنحل وفى المذكور!
كثيرون يتسببون بتصرفاتهم فى إغلاق صحف أو محلات أو مشاريع كبرى.. فما بالكم بمن تسببت تصرفاته فى إغلاق حزب وانهيار نظام سياسى وسقوط رئيس البلاد وكادت تصرفاته «تجيب ضلف» بلد بأكمله؟ وإن لم يكن ذلك شؤماً.. فما الشؤم إذن؟
........ الجيش والعيلة المصرية.........
فى رمضان الماضى زار وفد من جمعية «العائلة المصرية» مستشفى الأورام بقصر العينى التابع لوزارة التعليم العالى.. قدموا ما يلزم لتدخل البهجة والسرور على قلوب المرضى وأهلهم.. إلا أن الزيارة كادت تتحول إلى بؤس غير محدود بعد أن رأوا غرف العناية المركزة فى ظل أجواء حارة بغير مكيفات هواء بما يخالف حتى شروط ينبغى توافرها فى غرف العناية الفائقة.. السبب أعطال دائمة فى مراكز التكييف لتهالكها وانتهت الزيارة الناجحة بالدعوات والابتهال بأن يرحم الله هؤلاء المرضى!
بعد أيام قرر الوفد الذهاب إلى من يغيرون الجغرافيا فى سيناء وعلى حدودها ليصنعوا لمصر تاريخاً جديداً.. هناك.. حيث اللواء البطل كامل الوزير وجنوده ورجاله ممن ينحتون الصخر لتمر الأنفاق من تحت قناة السويس تربط الوادى بأرض الفيروز وحيث سحارة سرابيوم تؤمن المستقبل بالماء النظيف.. للبشر وللزرع وللنسل معاً.. وهناك خطر فى ذهن الإذاعية السيدة أمل مسعود، نائب رئيس الإذاعة المصرية أن تنقل للواء كامل الوزير صرخة مستشفى أورام قصر العينى.. لم يكن الرجل ينقصه أعباء إضافية وهى أعباء لا تخصه وظيفياً من قريب أو من بعيد إلا أنه استقبل الأمر بابتسامة تجمع بين حرج إنسانى ودهشة الطلب المفاجئ.. إلا إنه قرر أن يبشر لا أن ينفر.. فوعد بالتدخل قدر المستطاع.. ومع تصاعد الدراما من الحديث عن حال المستشفى ومعاناة المرضى بسبب توقف التكييف بالعناية المركزة فوق معاناتهم الأصلية، قرر اللواء الوزير أن يجرب محاولة فى الحال.. فاتصل بإحدى الشركات المدنية التى تعمل فى الإنشاءات تحت القناة، فاتصل هاتفياً بالمهندس أحمد العبد، رئيس مجلس إدارة شركة «كونكورد» للهندسة والذى وافق فى الحال على تحمل شركته كل نفقات إعادة التكييف المركزى بالمستشفى الكبير.. وتم تكليف المهندس أحمد سعد زغلول الذى يتولى قطاع مشتريات سحارة سرابيوم على متابعة الأمر.. وبعد المقايسات وعروض الأسعار بلغت التكلفة بالجمارك والضرائب 6 ملايين جنيه ولأن المبلغ تبرع خيرى، ولأنه قانوناً لا ضرائب ولا جمارك عليه.. ولأن شيئاً من ذلك لم يتم، لذا تعطل وصول الأجهزة الأشهر الماضية وبعد صراع مرير مع الأجهزة المختصة وصلت الأجهزة هذا الأسبوع بعد التخفيضات المستحقة، لتمنح الأمل فى ذهاب الألم من أجساد واهنة لا تحمل آلاماً فوق آلامها.. ولتؤكد أن الخير فى أمتنا إلى ما شاء الله أن يكون.. وكل التحية والتقدير لأبطال القصة كلها.. وكل الأمل أن نرى البيروقراطية والروتين واللوائح فى العناية المركزة وحتى يلفظوا أنفاسهم الأخيرة!