على الرغم من الأزمات التى تمر بها مصر الآن، أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، والتى تجعل مخاطر جسيمة محدقة بالوطن وتكاد أن تنال من سلامته وأمنه واستقراره، فإننا لم نفقد الأمل بعد فى أنه يمكن لمصر أن تتجاوز هذه الأزمات وتحقق ما تصبو إليه بتحقيق الاستقرار السياسى والاقتصادى وعودة الأمن وأن يسود القانون وأن تعود للدولة هيبتها التى اهتزت إن لم تكن فُقدت.[Quote_1]
وأولى الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك أن يتخلى الإخوان المسلمون ورئيس الجمهورية عن وهم القوة الذى يعيشونه الآن دون أمارات حقيقية على وجود مثل هذا الوهم، وللتدليل على ذلك أُذكّر رفاق الأمس أن هذا الوهم هو الذى أسقط النظام السابق، فقد كانت الرئاسة وقيادات القوات المسلحة والداخلية -بجبروتها فى ذلك الوقت- والحزب الوطنى بأغلبيته الكاسحة بالتزوير والحكومة والبرلمان بغرفتيه وأيضاً المحليات والإعلام الرسمى والصحف القومية، كل ما سبق كان فى قبضة نظام الحكم، ومع ذلك لم يشفع كل هذا للنظام أن يستمر، بل أطاح به الشعب الذى كان هادئاً مُستكيناً قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير.
والسؤال: ماذا يملك الإخوان من عناصر القوة السابقة؟ الحقيقة أنهم لا يملكون من عناصر القوة السابقة إلا القليل مع الأخذ فى الاعتبار أن الشعب المصرى قد تغير بعد الثورة ولم يعد يقبل بحلول مستبد مكان مستبد، بل إنهم يواجَهون بمقاومة عنيفة لمحاولات السيطرة، ودخلوا فى خصومات مع العديد من أطياف المجتمع بل ومؤسسات مهمة كالقضاء والإعلام والأحزاب المدنية، فضلاً عن المظاهرات المستمرة التى تجاوزت -بسبب إهمالها- حدود اللياقة لمقام رئاسة الجمهورية وقيادات الإخوان المسلمين.
إذن، قليل من إعمال العقل والتفكير سيؤدى بالإخوان إلى ضرورة أن يتخلوا عن هذا الوهم وهذا الصلف والعناد ويبدأوا فى التفكير بطريقة مختلفة تضمن لهم الاستقرار فى الحكم بما يؤدى لاستقرار البلاد.
ولن يكون ذلك إلا باتخاذ مبادرات إيجابية تُثبت للشعب وللقوى السياسية حسن نيتهم بالأفعال والقرارات وليس بالكلام فقط والذى ملّه الناس.
وأولى هذه الخطوات -فى تصورى- أن يقبل رئيس الجمهورية استقالة الحكومة الحالية التى أجمع الجميع على ضعف أدائها بما فى ذلك حزب الحرية والعدالة ولا نجد فى الأفهام سبباً واحداً للتمسك بها، ثم يدعو رئيس الجمهورية إلى مؤتمر عام للمصالحة الوطنية لجمع شمل الجميع حول أهداف نسعى جميعاً إلى تحقيقها وأن تصدر عن هذا المؤتمر توصيات يلتزم رئيس الجمهورية بتحقيقها. وثالث هذه الخطوات أن يتم -وقبل المؤتمر- تغيير النائب العام الحالى امتثالاً لحكم القضاء وحتى تظهر الدولة بالمظهر اللائق أمام الشعب وأمام العالم بأنها تحترم أحكام القضاء وتُعلى سيادة القانون لا أن تظهر -كما هو الآن- بمظهر المعاند الذى لا يخضع لأى ضغوط مشروعة سواء من القوى السياسية أو الثورية أو حتى أحكام القضاء، بما يجعل الصدام والدم هما الحل الوحيد. فإذا ما اتخذ رئيس الجمهورية هذه الخطوات فعلى القوى السياسية أن تتجاوب معه وتعمل على تنفيذ التوصيات التى سيخرج بها مؤتمر المصالحة وأن تدعم القرارات التى ستصدر تنفيذاً لهذه التوصيات.
أيضاً يجب أن تتوقف الدولة عن ملاحقة الإعلاميين والصحفيين وأن تُثبت للرأى العام أنها مع حرية الرأى قولاً وعملاً، وفى المقابل يلتزم الإعلاميون بقواعد النقد الموضوعى البعيد عن الإهانة الشخصية.
ويجب كذلك أن يتخلى مجلس الشورى وأغلبية الإخوان عن أسلوب الالتفاف على التشريع ومحاولة تمرير القوانين بالفهلوة والمراوغة، وخير دليل على ذلك ما يُعده مجلس النواب بديلاً عن القانون المطروح الآن على المحكمة الدستورية العليا، وهذا يعنى عملاً إلغاء دور المحكمة الدستورية، فكلما نظرت المحكمة فى دستورية أو عدم دستورية قانون نلغى القانون المنظور وندفع بقانون آخر، هذا أسلوب صبيانى لا يخيل على أحد بل يُرسخ فكرة عدم استعداد الإخوان للانصياع لأحكام القانون ولأحكام القضاء.
مع الأخذ فى الاعتبار أن الفترة القادمة عصيبة وحرجة خاصة من الناحية الاقتصادية، فبدلاً من أن يواجه الرئيس وجماعته المشاكل والأزمات القادمة -وحتماً سيعجزون عن حلها- بمفردهم يكون المجتمع كله وكافة أطيافه وطوائفه فى حالة اصطفاف كامل لمواجهة هذه الأزمات.
ما سبق كان مجرد اقتراحات أو تصورات للحل يمكن الإضافة إليها إن صدقت النوايا، ولدىّ شك كبير فى ذلك.