دعونى أحكى لكم واقعة تبدو فى ظاهرها بسيطة ويمكن تجاوزها والمرور عليها مرور الكرام، لكنها ليست كذلك فهى تحمل فى باطنها الكثير من المعانى التى قد تمنحنا تفسيراً لما عجزت عقولنا عن تفسيره اليوم. كنا قد نشرنا فى العام 2010 فى جريدة «المصرى اليوم» خبراً لا أذكر مضمونه الآن ولكن ما أذكره أنه كان مصحوباً بخريطة كاملة لمصر اختفى فيها جزء من حلايب وشلاتين، عن دون قصد من القائمين على الجريدة. يومها قامت الدنيا ولم تقعد فى المؤسسة العسكرية التى اتصلت بنا وطالبت بتصحيح الخريطة فى اليوم التالى، ولم تكتف بذلك بل أرسلت لنا خريطة لمصر مصدقاً عليها من المؤسسة العسكرية والجهات الأمنية ويتضح بها نقطتا حلايب وشلاتين عند خط عرض 18 شمالاً. أذكر أن رئيس التحرير وقتها مجدى الجلاد أصر على تصوير الخريطة وتعليق نسخة منها فى الأرشيف لعدم تكرار الخطأ. ولكن شتان بين ما حدث بالأمس بعدما نشر حزب الجماعة المهيمنة على السلطة تقريراً عن زيارة تابع الجماعة أو الجمعية -فالأمر سيان- للسودان مصحوباً بخريطة لمصر واضح فيها -وبلا أى ذرة من خجل- الانكسار الحاد فى خط الحدود الفاصل بين مصر والسودان لتصبح حلايب وشلاتين بأكملها، وليس جزءاً منها، أرضاً سودانية!! وكالعادة سارعت الرئاسة بنفى الأخبار المتداولة جملة وتفصيلاً، ولكن وببركة مواقع الإنترنت الناقلة لدبة النمل نشر الشباب فيديو مسجلاً للرئيس السودانى عمر البشير وهو يقول إن حلايب وشلاتين أرض سودانية بوعد من مرسى!!! يا حلاوة يا ولاد.. لقد منح من لا يملك من لا يستحق أرضاً مصرية خالصة، وهكذا تم تكذيب نفى الرئاسة التى أدعو الله أن يستحى العاملون بالنفى فيها!! ولكننى توقعت أن تصدر بيانات عن مؤسسة الجيش ترفض وتندد بمثل تلك الأقاويل التى تقتطع جزءاً من أرضنا التى هى جزء من العقيدة الدفاعية للجيش المصرى، ولكن لم يحدث فتذكرت واقعة «المصرى اليوم» لأدرك بعد تفكير دام أكثر من عامين أن جيشنا الذى خرج يوم 28 يناير 2011 لحفظ الأمن فى الشارع المصرى فى أعقاب أحداث الغضب، غير جيشنا الذى عاد فى 30 يونيو 2012 لثكناته، فقد ترك مقود أمره وأمر بلادنا لأكثر من طرف يقرر مصيره ومصيرنا. أمريكا من الخارج ونوابها من أفراد الجمعية أو الجماعة من الداخل. وهكذا كُتب علينا كمصريين أن نعيش اللحظة التى يصمت فيها جيشنا -خط دفاعنا الأول على مدى سنوات يطول عدها فى التاريخ- على اقتطاع أرضنا التى باتت توزع تحت مسميات الهبة أو المحبة أو الأخوة أو المصلحة. فالجمعية أو الجماعة لا ترى غضاضة فى ترك سيناء للإخوة فى فلسطين أو إسرائيل ليحلوا بها مشاكلهم، كما لا ترى أزمة فى ترك الحلايب والشلاتين للسودان، كما تغض الطرف عما يحدث على الحدود مع ليبيا التى باتت مستباحة من تجار السلاح من أجل عيون التنظيم والمجاهدين الذين سيأتى لهم «وقت عوزة»، أضف لذلك بالطبع أنه لا ضرر من منح قطر شرق التفريعة والقناة.. وقول يا باسط تلاقيها هاصت..
كل هذا والجيش صامت وكأن على رؤوس رجاله الطير!!! وأزداد حسرة وأنا أسمع هذا المدعو «الزايط» عضو مجلس شورى الجماعة يقول إن جيشنا عظيم ولكنه يحتاج لقيادة!!! يا نهارك اللى ما جاش يا مصر!!! من أنت يا رجل حتى تعلن هذا الكلام الماسخ؟ وأين رجال هذا الجيش الذى أؤمن بهم ولو كذبوا؟ أسمع أقاويل تتردد هنا وهناك أن قيادة الجيش تهدئ من روع رجالها وتطلب الصبر على ما يقال من انتهاكات سافرة من قبل تلك الجمعية الموصوفة زوراً بالمسلمين، ولكن قلبى يؤكد لى -وأتمنى أن يكون مخطئاً- أن جيشنا خرج ولم يعد.