بعد أن توفى أمير المؤمنين معاوية بن أبى سفيان، خلفه ولده يزيد بن معاوية، الذى بايعه معظم الناس ورفض بيعته بعض الشخصيات المهمة، أشهرهم: الحسين بن على، رضى الله عنهما، وعبدالله بن الزبير، وقد قُتل سيد الشهداء الإمام الحسين كما هو معروف فى التاريخ الإسلامى، بينما بقى عبدالله بن الزبير فى الحجاز، وبعد اعتزال معاوية بن يزيد الحكم سنة 64هـ لم يكن هناك وقتها أفضل من عبدالله بن الزبير فاجتمع على بيعته معظم الأمصار.
وحين تولى عبدالملك بن مروان الحكم أراد أن تستتب له أمور الخلافة على جميع أرجاء الدولة ولم يكن معارضاً لذلك إلا عبدالله بن الزبير ومن بايعوه، فأرسل عبدالملك بن مروان قائده القوى وسيف غضبه الحَجاج بن يوسف الثقفى بجيش كبير وحاصر مكة لإرغام ابن الزبير على الاستسلام، ولما رفض وتحصن بالكعبة المشرفة قام الحَجاج بضرب الكعبة بالمنجنيق وهدمها وحرقها بالنار فى سبيل الحكم والخلافة ثم جرى ما هو معلوم من قتل عبدالله بن الزبير ومن ثم استتب الحكم لبنى أُمية.
وقد كان الحَجاج بن يوسف الثقفى يرى بتكفير الخارج عن السلطان وطرده من الملة ويرى كذلك أن ما يفعله تقرب إلى الله يرجو به الأجر والثواب.
وهكذا رأينا أنه فى سبيل الحكم أُهدرت دماء زكية من الصحابة وحفظة القرآن وضُربت الكعبة المشرفة بالمنجنيق وهُدمت وأُحرقت؛ ففى سبيل الحكم هانت أقدس المقدسات.
وما يفعله حكام مصر الجدد الآن ذكّرنى بهذه الفاجعة فى تاريخ العرب والمسلمين؛ ففى سبيل حكم مصر رخصت دماء أبنائها من «الاتحادية» إلى بورسعيد وما بينهما، وهانت مؤسسات الدولة من المحـكمة الدسـتورية إلى مجـلس الدولة إلى الأزهر إلى الكاتدرائية، أما مقر الحـكم العضوض -مكتب الإرشاد- فلا أحد يستطيع الاقتراب منه، وكذلك هانت هيبة الدولة المصرية وهانت كرامة المصريين عندما تهاون الحكم واستخف بدماء شهدائنا الأبرار التى سالت على رمال سيناء فى رمضان وهم صائمون وأثناء تناولهم طعام الإفطار ومن بعد ذلك التفريط فى هيبة الدولة وسيطرتها على سيناء -التى راح فى سبيلها الآلاف من خيرة شباب مصر- وأصبحت «سداح مداح» للإرهاب والإرهابيين وسمعنا عمن ينادى بها إمارة إسلامية!!
وفى سبيل الحكم أيضاً، داس رئيس الجمهورية على الدستور والقانون ونصّب نفسه حاكماً مطلقاً لا رقابة عليه ولا طعن فى قراراته أمام أى جهة كانت، وفى سبيل الحكم واستتبابه يُهان القضاة ولا تنفذ أحكامهم ويحاصَر الإعلاميون ويُرهبون ببلاغات كيدية يحركها النائب العام المعين بالمخالفة للقانون فيُصدِر أوامره بإحالة الإعلاميين والثوريين إلى محاكمات ستنتهى -إن شاء الله- ببراءتهم، لكن هذه الأساليب الجديدة فى الإرهاب لن تُجدى؛ لأن مصر تغيرت وشعبها تغير ولم يعد يلوذ بالصمت أو تُرهبه هذه الممارسات.
ثم ألم يكن التهديد بحرق مصر كلها إن لم يُعلَن فوز الدكتور محمد مرسى بالرئاسة؟
إذن فلتحترق مصر فى سبيل التمكين من الحكم، وهل ستكون مصر -عندهم- أغلى من الكعبة المشرفة؟ ألم يقل مرشد الإخوان السابق إن مصر «دى حته صغيرة» فى حواره الذى نُشر بجريدة «الوطن» وحين أنكره أُذيع التسجيل الصوتى له؟
وألم يقل المرشد العام السابق أيضاً «طز فى مصر»؟ أوَلم يقل الشخص ذاته إنه لا يمانع من التفريط فى حلايب وشلاتين وضمها للسودان؟
كل ما سبق يجرى والأزمة الاقتصادية الطاحنة تعصف بالبلاد ولا نرى أى اهتمام ببوادر حلول لهذه الأزمة إلا ثقافة الاقتراض والتسول وتكبيل البلاد بديون لن يتحملها الشعب وستعجز الدولة عن سدادها مع ما يستتبع ذلك من آثار ونتائج وخيمة قد تصل بنا إلى ما مرت به مصر فى عهد الخديو إسماعيل.
وبالإضافة للأزمة الاقتصادية فإن الإخوان لا يقدمون أى مبادرات لحل الأزمة السياسية ولو حتى لإثبات حسن النية ويتعاملون بعناد وصلف ولا أجد لذلك مبرراً أو أمارة.
ويتجاهل الإخوان المطالب الشعبية والثورية بتغيير الحكومة وتنفيذ حكم القضاء بخصوص النائب العام وتعديل الدستور المعيب، مما أدى إلى استمرار المظاهرات أسبوعياً ووضع البلاد فى حالة من الفوضى المستمرة والانفلات الأمنى، وبالتالى قطع شريان السياحة التى يتعيش من دخلها ملايين المصريين وأصبحت المقاصد السياحية تنعى أطلالها.
بيد أن الظاهر أن كل ذلك لا يستحق اهتمام جماعة الحكم، والمهم هو استتباب الحكم والاستيلاء على مفاصل الدولة وإخراس الإعلام وترهيب الثوار وإهانة القضاء واختراق القوات المسلحة والشرطة والمخابرات العامة والحربية وإرهاب الفنانين والمبدعين وبعد ذلك «يحلها ربنا».
وهذا التفكير القاصر لا يصلح لإدارة وحكم بلد بحجم مصر وشعبها الذى أصبح ثائراً، خاصة أن الحكام الجدد فى عداوة ظاهرة ومعلنة للأزهر والكنيسة والجيش والمخابرات العامة والإعلام والأحزاب المدنية والقوى الثورية وفقدوا أيضاً دعم المجتمع الدولى والاتحاد الأوروبى والأهم -بالنسبة لهم- فقدان الدعم الأمريكى.
وأخيراً أنقل لهم -الإخوان- نصيحة الحَجاج بن يوسف الثقفى -بكل ما عُرف عنه من جبروت وقسوة- فى وصيته لطارق بن عمرو عن مصر والمصريين فقد قال له:
«لو ولاك أمير المؤمنين أمر مصر فعليك بالعدل.. فهم قتلة الظلمة وهادمو الأمم وما أتى عليهم قادم بخير إلا التقموه كما تلتقم الأم رضيعها، وما أتى عليهم قادم بشر إلا أكلوه كما تأكل النار أجف الحطب وهم أهل قوة وصبر وجلدة وحمل، ولا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم؛ فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه فاتقِ غضبهم ولا تشعل ناراً لا يطفئها إلا خالقهم فانتصر بهم فهم خيرُ أجناد الأرض واتقِ فيهم ثلاثاً:
نساؤهم فلا تقتربهن بسوء وإلا أكلوك كما تأكل الأسود فرائسها، أراضيهم وإلا حاربتك صخور جبالهم، دينهم وإلا أحرقوا عليك دُنياك، وهم صخرة فى جبل كبرياء الله تتحطم عليها أحلام أعدائهم وأعداء الله».
اللهم بلغت اللهم فاشهد «وَاللهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» صدق الله العظيم.