رجال أعمال: فلسفة الإدارة القديمة وغياب الحوكمة و«تخمة» العمالة.. دمرت الشركات
«ماسبيرو» يعمل به أكثر من 40 ألف عامل وفنى ويتكبد خسائر سنوية
قال رجال أعمال إن يد الدولة الاستثمارية مغلولة منذ أن تدخلت فى العملية الإنتاجية فى خمسينات القرن الماضى، وليس بمقدورها المنافسة، كما أنها تفتقد الابتكار، خاصة أن العمال بشركات الحكومة أصبح أملهم المرتب فقط باعتبار العمل الحكومى ملاذاً آمناً، ودلل رجال الأعمال على ذلك بنجاح أنشطة مماثلة للقطاع الخاص تعمل بها الدولة والفارق الكبير فى الأرباح يعكس قدرة الإدارة الناجحة فى القطاع، حيث إن الإدارة هى الفيصل لأنها تعتمد على الثواب والعقاب والحوافز مقابل الإنتاج.
وقال المهندس حسين صبور، رئيس جمعية رجال الأعمال، إن الحكومة كانت ولا تزال عاجزة عن تحقيق أى نجاحات فى مصانعها حتى اليوم، مشيراً إلى أنه سبق أن قام بإجراء دراسة فى الثمانينات عن نشاطين مماثلين؛ أحدهما تقوم به الحكومة وآخر فى القطاع الخاص، وكانت الدراسة بين شركتى «النساجون الشرقيون»، المملوكة لرجل الأعمال محمد فريد خميس، وأخرى حكومية هى «دمنهور للسجاد»، وتبين أن الأولى كان يعمل بها آنذاك نحو 700 عامل وموظف وفنى مقابل 2000 عامل فى الثانية، إلا أن محصلة أرباح «النساجون» كانت فى ذلك الوقت 1.2 مليار جنيه، مقابل 250 ألف جنيه فقط لـ«دمنهور للسجاد».
«صبور»: «المقاولات الحكومية» إما أن تربح أو تغلق.. و«خميس»: «العامل هيشتغل ليه وهى مش بتاعته؟!».. و«أبوالعينين»: «ماسبيرو» مثال التخمة غير المنتجة
وأوضح «صبور»: «لم نكن وقتها نهدف إلى إغلاق شركات الحكومة أو بيعها لكن كنا نستهدف أن تستعين الحكومة بإدارات من القطاع الخاص، وهذه هى الخصخصة الحقيقية، إلا أن الدولة فضلت التخلص من الشركات بشكل مهين فيما يعرف ببرنامج الخصخصة».
وأضاف أن شهادة شخصية مهمة فى السبعينات وما بعدها، وهو المهندس عثمان محمد عثمان، وقد كان وزيراً للتخطيط وقتها، حيث قال إن «الحكومة تاجر سيئ وصانع أسوأ».
وأكد «صبور» أن موازنات شركات قطاع الأعمال القابضة كشفت عن خسائر فادحة، حيث بلغت خسارة 68 شركة 6.1 مليار جنيه، منها الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج بخسائر تصل إلى 2.7 مليار جنيه، والحديد والأسمنت 1.14 مليار جنيه، والشركة القابضة للكيماويات 900 مليون جنيه، من أصل 125 شركة تابعة، تضم 9 شركات للسياحة، و11 شركة للأدوية والمستلزمات الطبية و19 شركة للصناعات الكيميائية، و14 للصناعات المعدنية و32 شركة للغزل والنسيج.
وتابع أن شركات المقاولات الحكومية والخاصة عانت من مشاكل كبيرة خلال السنوات الماضية، ما تسبب فى تدهور نتائجها بشكل كبير وتكبدها خسائر، مشيراً إلى أن الحكومة لم تطرح عطاءات جديدة، وبالتالى حجم الأعمال قل، ولا توجد استثمارات ما تسبب بأضرار للشركات.
وأكد أن القطاع الخاص استطاع أن يجد حلولاً بالتوسع فى أعماله فى الخارج من خلال البحث عن أسواق جديدة يضخ فيها استثمارات ويحقق عوائد مثل العمل فى الدول العربية وبعض الأسواق الأخرى، إلا أن القطاع العام اكتفى بالفرجة ولم يبحث عن حلول حقيقية لمشاكله وانتظر أن تتدخل الدولة لتحل له مشكلاته. وأوضح أن الدولة لن تستطيع باستمرار مساندة شركات قطاع الأعمال العام خاصة العاملة فى مجال المقاولات، وأن هذه الشركات إما أن تحقق أرباحاً أو تغلق أبوابها، وعلى الحكومة أن تحدد الطريقة المثلى للتعامل معها والتعامل مع أوضاع العمالة بهذه الشركات، وأكد أن الدولة تتسبب أحياناً فى مشاكل لهذه الشركات بتأخير مستحقاتها أو بإلزامها بحجم أعمال معين وأحياناً أخرى تدعمها من خلال إعطائها عمليات بالأمر المباشر وهى لا تتوافر للقطاع الخاص.
وقال رجل الأعمال محمد فريد خميس إن المشكلة الأزلية لشركات الحكومة على مستوى العالم هى الإدارة، أضف إلى ذلك أن هناك عدداً كبيراً من الشركات الحكومية المحلية لا تعرف مفهوم أو تنفيذ ما يسمى بالحوكمة، وما زالت تعمل بفكر الستينات ولن تستمر مع التطورات الاقتصادية الأخيرة، وأضاف «خميس» أن الدراسة التى أعدتها جمعية رجال الأعمال فى السابق عن نشاطين متماثلين؛ أحدهما بالقطاع الخاص والآخر مملوك للدولة، دليل قاطع على ما نقوله اليوم، وأدعو جهات التقييم الحكومية للقيام بنفس المقارنات أولاً بأول حتى تتضح الصورة أمام متخذ القرار.
وطالب بتطوير نظم الإفصاح والحوكمة فى شركات قطاع الأعمال العام بحيث يتم اتباع نفس المعايير المستخدمة فى شركات قطاع الأعمال الخاص عن طريق إلزام الشركات بإعداد بيانات تفصيلية بصورة شهرية عن نتائج أعمالها، والهيكل التمويلى، والمخاطر التى تتعرض لها وعرض هذه البيانات على مجالس الإدارة لاتخاذ ما يلزم وتخفيض دورية إعداد القوائم المالية إلى فترات ربع سنوية، مع ضرورة الإفصاح عن الأداء المالى وغير المالى للشركة، بصفة خاصة المسئولية المجتمعية وحصر الأصول غير المستغلة ودراسة استغلال الأصل لها لتحقيق أقصى عائد بالاستفادة من تكامل الأنشطة، فضلاً على إجراء التعديلات التشريعية والتنظيمية.
وقال إن الحل لتحول شركات الحكومة من خاسرة إلى شركات تربح، هو إعادة الهيكلة المالية وعدم طرح الشركات الخاسرة فى البورصة، والدمج، بمعنى دمج كل خمس شركات تعمل فى أنشطة قريبة الصلة فيما بينها لكن بشرط اختيار قيادات للإدارة من خارج منظومة الشركات التى يتم دمجها وفتح باب المعاش المبكر لغير القادر على دخول تحدى الإنتاج.
وأوضح أن الدمج هو الحل المؤقت لتجاوز الشركات عثراتها أى بمجرد أن تقف الشركة عند مستوى الثبات المالى يتم على الفور طرح جزء من أسهمها فى البورصة لتوفير تمويلات جديدة للتطوير.
وشدد «خميس» على ضرورة تطوير الإدارة للشركات التى تحقق أرباحاً وتستعد الحكومة لطرحها فى البورصة حتى لا تفيق الحكومة على كابوس يتعلق بعدم توفير الطرح فى البورصة التمويلات اللازمة للتطوير، متسائلاً لماذا لا يستعين القائمون على إدارة تلك الشركات حالياً بخبراء سوق المال أو الإدارة فى وضع مخططات إدارية للخروج بالشركات من عثراتها سواء المالية أو الإدارية؟ الإجابة تتلخص فى كلمة واحدة «أصلها مش بتاعته»، وهذا فهم خاطئ لدى العاملين بالشركات الحكومية.
من جهته، قال محمد أبوالعينين، رئيس مجلس الأعمال المصرى الأوروربى، إن شركات الحكومة ما زالت تواجه تحديات كبيرة أهمها الإدارة، إضافة إلى حالة من التخمة فى العمالة، التى لا تنتج، وضرب «أبوالعينين» مثلاً باتحاد الإذاعة والتليفزيون، «ماسبيرو»، وقال إنه جهاز يعمل به أكثر من 40 ألف عامل وفنى لكن أين دوره وأرباحه على المستوى الاقتصادى؟! وأضاف: «من جهة أخرى دعنا ننظر إليه من الناحية التقنية.. يومياً نسمع ونشاهد أخطاء قاتلة.. هل هذا لأن ماسبيرو ليس به معدات؟ الإجابة لا، ولكن يدار بفلسفة وفكر قديم يتلخص فى مفهوم الوظيفة الميرى»، وأضاف أن هذه السياسة دفعت بعض الجهات الحكومية لدخول شراكات فى مؤسسات إعلامية جديدة، رغم وجود جهاز إعلامى ضخم بحجم ماسبيرو. وفيما يخص نشاطاً آخر كمصانع إنتاج السيراميك، قال «أبوالعينين»: «لا أريد الدخول فى مقارنات قد تكون ظالمة، فالشركة المملوكة للحكومة لا تطور من نفسها ولظروف الاقتصاد الكلى السيئ ربما فرض على العاملين بها آليات لا يمكن أن تتقدم بالإنتاج أكثر من ذلك، ولكن أعود وأكرر أن الإدارة أساس النجاح، وعلى العاملين بقطاعات الدولة التحرك بسرعة نحو تطوير أنفسهم حتى لا يفقدوا آخر فرصة للعمل».
وفيما يتعلق بنشاط شركات مواد البناء والغزل والنسيج، التى تملكها الحكومة، قال «أبوالعينين»: «لا بد أن تقوم الحكومة بإعادة الهيكلة الفنية والتكنولوجية للشركات، خاصة فيما يتعلق بتطوير خطوط الإنتاج فى صناعة الغزل والنسيج، والحديد والصلب، والقومية للأسمنت، بعد إجراء الدراسات الفنية والتمويلية والاستثمارية»، مطالباً بحصر الاحتياجات الفنية والتكنولوجية للشركات التابعة وتحديد مصادر التمويل المناسبة.