انتشر قلق وخوف واضحان لدى قطاع كبير من المصريين من تصريحات بعض قيادات تيارات الإسلام السياسى الأخيرة المتعلقة بالجهاد والكفاح المسلح، خصوصاً تصريحات خيرت الشاطر وحازم أبوإسماعيل بعد خروجهما من سباق الرئاسة، التى كانت تتعلق بالجهاد والنزول للميادين، وظهور شعارات مقلقة مثل: «بالسيف والدم» وغيرها. والمؤسف هو زيادة هذا القلق والخوف من انتشار العنف فى الشارع المصرى فى حال عدم تمكنهم من تحقيق مصالحهم وقيام الدولة الدينية فى مصر.
فهل من المحتمل تحقيق سيناريو لجوء أصحاب تيار الإسلام السياسى إلى العنف لتحقيق أهدافهم؟ الإجابة يجب أن تتعرض لنوعية واتجاهات التيارات الإسلامية الحالية فى الشارع المصرى؛ فهم ليسوا جماعة واحدة أو حزباً واحداً، بل هم عدة جماعات وأحزاب، بدايةً من جماعة الإخوان المسلمين، مروراً بالتيار السلفى، نهايةً إلى الجماعة الإسلامية. والجميع يعرف أن لكل منهم فكره وأدبياته ورموزه، وهم جميعاً يتفقون على هدف قيام الدولة الدينية، لكن وسائلهم مختلفة، ووضح ذلك جداً منذ بداية الثورة حتى الآن فى عدة قضايا، أبرزها: عدم اتفاقهم على مرشح رئاسى واحد، والحرب الكلامية والتصريحات المتضاربة التى تضر بمشروع الدولة الدينية.
إن سيناريو لجوء بعض التيارات للعنف لتحقيق مصالحها السياسية لن يأتى سريعاً، لكنه مرحلة أخيرة فى سباقهم نحو حكم مصر؛ فهم يعلمون أنه سيناريو مكلف جداً مادياً ومعنوياً، وسيدخلهم فى عداء عربى وعالمى، وسيؤكد تطرفهم وأنهم سيهددون السلم العالمى، خصوصاً فى ظل وجود إسرائيل فى منطقة الشرق الأوسط، وبالتالى ستفرض على مصر عزلة دولية وتنتهى أحلامهم وطموحاتهم. ومع أننا لا نقلل من حدوث مثل هذا السيناريو، لكنه سيكون مرحلة النهاية لهم جميعاً؛ فالشعب لن يصمت ضدهم والمجلس العسكرى وجميع القوى السياسية المصرية.
ومع ذلك فإن سيناريو العنف والخوف المنتشر حالياً فى الشارع المصرى، كما تؤكده أحداث العباسية الأخيرة، إنما يدل على أن الإسلاميين ليسوا وحدهم من قد يضطر لاستخدام العنف، بل ثمة أطراف أخرى تعبث فى هذا الواقع السياسى المضطرب. ومع ذلك فإن الخوف من تصاعد استخدام بعض الإسلاميين للعنف يبدو بعيداً عن الواقع لعدة أسباب، من أهمها: تعلم الإخوان تحديداً، والجماعة الإسلامية على وجه العموم، من أخطاء الماضى، وإدراكهم أن العنف لن يقدم لهم سوى لعنات وكراهية الشارع المصرى، وأن الحل الأمثل هو التمسك بالشرعية والثورة التى قدمت شرعية كبرى هى شرعية الميدان التى عن طريقها يستطيعون تحقيق الكثير من المكاسب، بعيداً عن العنف الذى سيلقى بحلمهم فى حكم مصر وإعلان الخلافة الإسلامية إلى الهاوية. إن أغلب التيارات الإسلامية تعلم أن العنف سيناريو لا يناسب الفترة الزمنية الحالية؛ لأن المشهد السياسى المصرى اختلف جداً عن فترة الخمسينات والستينات، وأن الفترة الحالية هى فترة الاستقواء بالشارع المصرى وتصديره للمجلس العسكرى؛ لأن الشعب هو القوى الحقيقية التى تنزل الميادين وتحقق ما تريد. حدث ذلك عدة مرات استطاعت فيها التيارات الإسلامية استخدام الشعب فى تحقيق ما تريد، أهمها: استفتاء الإعلان الدستورى، والمطالبة بسقوط حكومتى شفيق وشرف، وتعديل قانون انتخابات مجلسى الشعب والشورى، وغيرها، التى حققت لهم ما يريدون وأكثر عبر الإرادة الشعبية التى نجحت التيارات الإسلامية فى استثمارها للحصول على مكتسبات ما.
إن خوف بعض المصريين من التصريحات النارية المهددة بالجهاد والعنف هو أمر طبيعى ومقلق، لكنه على أرض الواقع لا قيمة له؛ فهو يعكس، بشكل واضح، الصراع الدائر بين قيادات هذه الجماعات وتيار الشباب، وهو خلاف بين القيادات التنظيمية القديمة التى تربَّت على العمل السرى وعدم الظهور للشارع بوضوح وصراحة، ويأتى فى مقدمتهم جميع القيادات الحالية، بداية من قيادة جماعة الإخوان المسلمين، المتمثلة فى رجال التنظيم السرى الخاص بقيادة الدكتور محمد بديع ومحمود عزت.. والجميع يعلم أنه تم اتهامهم فى قضية تنظيم القطبيين الشهيرة، وحتى قيادات الجماعة الإسلامية، المتمثلة فى طارق وعبود الزمر، وقضية اغتيال السادات، وما تلاها من سلسلة المواجهات المسلحة مع السلطة.
وعلى الطرف الآخر تيار الشباب الذى يريد العمل فى الشارع مع جميع القوى السياسية، بعيداً عن سياسة السمع والطاعة التى لا تتفق مع اللحظة الراهنة التى يعيشها المسرح السياسى المصرى.