سبحان من قال «كل يوم هو فى شأن». بالأمس عصر الكثيرون على أنفسهم «لمونة» وصوّتوا لصالح الدكتور محمد مرسى فى جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة، عقاباً لمرشح الفلول الفريق «أحمد شفيق». واليوم يعبر بعض المصريين عن تعاطفهم مع «المخلوع» -بمناسبة إعادة محاكمته- عقاباً لـ«مرسى»، على فشله الذريع والمريع فى إدارة شئون البلاد، والمسألة فى تقديرى لا تعدو أن تكون نوعاً من التعاطف العقابى.
فقد خرج المخلوع ضاحكاً ملوحاً بيده لمن بالقاعة ومن يشاهدونه عبر شاشات التليفزيون، وكانت قسمات وجهه تنطق بالشماتة فى هؤلاء الذين خلعوه كى يأتوا بالإخوان!. وليس ذلك لسان حال المخلوع وفقط، بل هو حال كثيرين ممن يوجهون سهام اللوم إلى الثوار الذين خلعوا «مبارك» ليأتوا بـ«مرسى»، وتخلصوا من الحزب الوطنى ليجيئوا بالإخوان. وغير صحيح أن الثورة جاءت بالإخوان، بل الذى جاء بالإخوان فعلاً هو هذا الرهط من المصريين الشامتين مع المخلوع، عندما جلسوا فى بيوتهم متفرجين -أيام الثورة- ورفضوا النزول والمشاركة، وعندما حان حين الانتخابات الرئاسية انقسموا إلى فريقين: فريق منح أصواته للمرشح الفلولى «شفيق»، وفريق أعطى صوته للمرشح الإخوانى «مرسى». وبهذه الطريقة مارس هؤلاء نوعاً من الانتقام الواعى أو غير الواعى من الثورة من خلال الدفع بممثلى الطرفين الأساسيين اللذين التفا عليها، وهما الفلول والإخوان.
ربما يتذكر هؤلاء المحبون للمخلوع أن الثورة رفعت شعار: «الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية»، ولم يحدث أبداً أن سمعت صوتاً واحداً فى التحرير -طيلة أيام الثورة الـ18- يردد «إسلامية إسلامية»!. لقد كانت أهدافنا واضحة فى خلع النظام الذى نخر فيه الفساد والشيخوخة، ويريد رمزه الأكبر توريث الحكم لابنه، ليستمر مسلسل إفقار المصريين ونهب ثرواتهم، وإهدار كرامتهم فى أقسام الشرطة، وإزهاق أرواحهم بالآلاف فى حوادث القطارات والعبارات والطائرات وتحت صخور الجبال، لم نكن نهتف لأصحاب «الدقون» من «المتأسلمين» تجار الدين الذين شاركوا فى سيرك الفساد والإفساد خلال عصر المخلوع، ثم تواطأوا مع رجاله من أجل إجهاض الثورة، والانقضاض على الحكم، ولما تمكنوا من الأمر، ظهر فسادهم وقبحهم وجهلهم وبغضهم لهذا البلد، الأمر الذى أطمع الفلول فى العودة إلى الحكم من جديد!.
لقد أفرط البعض فى التعطاف العقابى مع «المخلوع» إلى حد الحديث عن نسيان قضية شهداء الثورة، والعفو عن «مبارك»، بل وتكريمه، انطلاقاً من أن «مرسى» قتل هو الآخر وولغ وإخوانه فى دماء الثوار، وحجة هؤلاء صحيحة بالطبع، لكن قضيتهم باطلة، لأنه ليس من المنطق أن تتعاطف مع متهم لمجرد ظهور متهم آخر بنفس الجريمة. فكلاهما إلى عقاب، لأن الثورة قامت من أجل إزاحة فساد الأول، وما زالت تتواصل من أجل التخلص من الدجال الجديد الذى سرق حلم من دفعوا ثمنها.