«محدث نعمة».. وصف يخلعه المصريون على الشخص الذى يهبه الله مالاً بعد فقر وحرمان، أو جاهاً بعد ذل ومطاردة، فيؤدى بشكل سوقى لا يليق بما أعطاه الله من نعمة، وينسى أن لكل مقام مقالاً، ولكل وضع أو ظروف طريقة مناسبة فى الأداء؛ فالإنسان الذى عاش عمره محروماً، ثم رزقه الله برزق جعل مائدته تحتشد بما لذ وطاب من ألوان الطعام، لا يليق به أن يجلس يعب من الأكل عباً و«يزروط» نفسه والمكان الذى يأكل فيه. ولا يتناسب مع شخص أعطاه الله منصباً أو جاهاً بعد أن عاش سجينا أو محاصَراً أن يؤدى بطريقة أو لغة لا تتناسب مع ثقافة الوضع الجديد الذى أصبح فيه؛ فلغة الجلسات السرية لا تصلح للاستخدام فى العلن على لسان شخص يخاطب الرأى العام.
أقول ذلك بمناسبة تلك العبارة التى جاءت على لسان الأستاذ صلاح عبدالمقصود، وزير الإعلام، فى معرض رده على صحفية ناشئة سألته: «هى فين حرية الصحافة؟»، فرد عليها قائلاً: «ابقى تعالى أقولك فين»! لست مع من وصفوا الأمر بأنه نوع من التحرش اللفظى -من جانب الوزير- بالصحفية، وأرى أن المسألة لا تعدو الجهل بالمقام والسياق والوضع الجديد الذى وجد «عبدالمقصود» نفسه فيه؛ فالوزير لم يفرق بين كلمات يمكن أن يرددها بشكل عادى فى جلساته أو قعداته الخاصة، والكلمات المحتشمة التى يجب أن تشكل نسيج لغته، وهو يتحدث فى مقام عام، وأمام كاميرات التليفزيون. وليست تلك هى السقطة الأولى له، بل سبقتها سقطة وصف مذيعة بواحدة من القنوات العربية بـ«السخنة»!
الوزير شأنه شان إخوانه يتمتع بجهل مفزع ومدهش بثقافة المجتمع المصرى، وكيف أن ألفاظاً وعبارات معينة يمكن أن تخدش الحياء العام، أو تؤول على نحو غير مهذب، من جانب المستمعين إليها. الرئيس نفسه سبق أن تحدث عن الأصابع التى تلعب فى مصر، وأن هناك صباعين تلاتة تافهين يلعبون فى مصر ويعرفهم جيداً، وكان ذلك فى حضور مجموعة من السيدات فى مبادرة «حقوق وحريات المرأة»، وقد نقلت الكاميرا وقتها حالة التأفف التى كست وجوه بعض الحاضرات من هذا الكلام.
الإخوان جَهَلة بثقافة المجتمع المصرى، خصوصاً ما يتعلق بآداب الحديث مع المرأة أو فى حضور المرأة، والسر فى ذلك فكرة منع الاختلاط التى تأسست عليها الجماعة؛ فذكور الجماعة يعيشون بمعزل عن إناثها، وبالتالى يجهل الرجال أصول الحديث المحترم أمام المرأة أو معها، وقديماً كان قاسم أمين يقول: إن الاختلاط يؤدى إلى تهذيب لغة الرجل؛ لأن وجود المرأة يجعل لغته أكثر احتشاماً وأدباً.. محدث النعمة يفعل ما يفعل لأنه يعتقد أن النعمة ستضيع منه. وما يفعله «محدثو النعمة» من الإخوان «مش قلة أدب.. ده جهل بعيد عنك»!