كشف احتجاز أحمد الجيزاوى عن توترات كامنة فى العلاقات المصرية السعودية، بعضها يعود إلى ما قبل الثورة، وكثير منها ظهر بعدها. ولا شك أن التصعيد السعودى السريع (ربما الأسرع فى تاريخ الدبلوماسية السعودية) باستدعاء السفير وغلق السفارة والقنصليات السعودية، ما هو إلا مؤشر على عمق المشاكل الغائرة التى لابد من مواجهتها بصراحة وحكمة معاً، من أجل ضمان علاقات ثنائية بناءة ومستقرة تستطيع مواجهة أى مشاكل طارئة بدون تهويل أو تهوين. ومن هنا فمن المفيد للبلدين التمييز بين الأبعاد القانونية، والدلالات السياسية الأعمق والأخطر لهذه الأزمة. فالهدف يجب أن يتخطى عملية التسكين بالتصريحات الدبلوماسية إلى معالجة الأسباب الجذرية لحالة التأزيم المتجددة بين البلدين مؤخراً.
لقد اختفى الشد والجذب فى السنوات الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع بسبب خياراته الاستراتيجية المتمحورة حول تمرير مشروع التوريث، وما تطلبه من تقزيم مصر إقليمياً، وهو ما اختلف بعد الثورة. وشهدنا منعطفاً جديداً للعلاقات المصرية السعودية، ما زالت تتأسس فيه منطلقات ومعايير جديدة للتعاون وللحركة. وقد تعددت القضايا المُثارة التى تختبر جدية التغيير الذى فرضه الواقع الثورى فى مصر، ومنها: محاكمة الرئيس المخلوع، انفتاح مصرى محتمل على إيران، الوفاء بالتعهدات بتقديم قروض ومعونات سعودية، أزمة المعتمرين المصريين فى مطار جدة، تحسين أوضاع العاملين المصريين فى السعودية، ثم احتجاز الجيزاوى وتسليطه الضوء على مشكلة المعتقلين المصريين فى السجون السعودية.
وجاءت طريقة تعامل الجانبين المصرى والسعودى (التى يجب مراجعتها) مع هذه الملفات لتعبر عن نفس النمط السائد قبل الثورة، من حيث التعامل الجزئى مع كل مشكلة على حدة بدون العمل على مراجعة مجمل القضايا الشائكة بشكل شامل وجذرى، ومن حيث البحث عن المسكن العاجل وليس العلاج الفعال لجذور المشكلة، ومن حيث الإبقاء على المفاوضات على المستوى الرسمى وبأقل قدر من الشفافية، ومن حيث تجاهل محورية الدور الجديد للشعب المصرى الذى يستتبع التعامل مع الرأى العام باحترام أوضح وصبر أكبر، لأن حماية كرامة المصريين فى الخارج أضحت أولوية تفرضها الثورة على مسار العلاقات المصرية الخارجية، ومن حيث البطء فى التعامل مع المشاكل الطارئة، لأن نصف الحل يأتى من سرعة التحرك، إما للكشف عن جوهر المشكلة أو للدفع باتجاه محدد لحلها، ومن حيث الانسياق وراء الدور التهييجى الذى يلعبه الإعلام، متناسين كونه ورقة فى يد القوى السياسية فى معاركها الداخلية.
حان الوقت لكى يراجع صناع القرار الخارجى فى الدولتين جميع الملفات المفتوحة بشكل يحمى المصالح المشتركة، وألا تكون الأزمة الأخيرة مجرد حادثة أخرى تتجه الجهود لاحتوائها بدون العمل على عدم تكرارها.