دعاء أهالى المصابين والشهداء: «ربنا ينتقم من اللى عمل كده»
الحزن يسيطر على وجه والدة أحد ضحايا التفجير
وجوه ارتسم عليها الحزن بعدما غطتها الدموع الساخنة، أشخاص من جميع الفئات العمرية تجمعوا أمام قسم الطوارئ فى مستشفى الدمرداش فى محاولة للبحث عن ذويهم من المتوفين والمصابين فى حادث تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية، وفى الوقت الذى وقف فيه بعضهم أمام المستشفى، جلس البعض الآخر داخل إحدى الطرقات المزدحمة فى المبنى القديم، وقد نالت منهم صدمة المفاجأة وهول الانفجار وتداعت أجسادهم من شدة الإعياء والبكاء، بعد حادث انفجار الكنيسة البطرسية المأساوى.
هناء أمين، سيدة خمسينية محجبة، وقفت أمام باب قسم طوارئ بمستشفى الدمرداش غارقة فى دموعها تبكى بدموع حارة على زميلتها إيمان يوسف يعقوب، التى قالت عنها إنها أم لولد وبنت يدرسان فى المرحلة الجامعية، والتى قالت هناء إنها توفيت فى حادث انفجار الكنيسة صباح أمس.
«هناء» مسلمة تبحث عن صديقتها المسيحية.. و«بيتر»: قالوا لى أمى ماتت رحت أدور عليها لقيت أختى كمان ماتت.. وشاب غاضب: المشهد داخل الكنيسة كان مثل سوريا والعراق
تقول «هناء» بنبرة منخفضة مملوءة بالحزن: «علمت بخبر الانفجار من التليفزيون، واتصلت بزميلتى إيمان، لكن هاتفها كان مغلقاً، ثم اتصلت بابنتها لارا، فردت علىّ وقالت إنها اتصلت بها، وإن تليفونها مغلق أيضاً، وقالت سوف أنزل أبحث عنها فى الكنيسة، ثم نزلت من البيت أنا وزوجى وتوجهنا إلى محيط الكنيسة التى تم تفجيرها وفضلت لمدة ساعتين أبحث عنها حتى تأكدنا أنها توفيت».
تكمل هناء حديثها قائلة: «حسبى الله ونعم الوكيل فى اللى عمل كدا، إيمان كانت ست محترمة وعمرنا ما شوفنا منها حاجة وحشة وما شوفتش أطيب منها فى الشغل بتاعنا بالإدارة التعليمية بمصر الجديدة». وأضافت: «زوج إيمان توفى فى أحداث الاتحادية وكان يعمل صحفياً وإيمان لم تتحدث عن هذه القضية فى الإعلام خوفاً على نجليها اللى بيدرسوا بكلية الطب والصيدلة».
دقائق قليلة وتحضر إحدى زميلات هناء وإيمان هى سيدة أربعينية محجبة حضنت هناء، وقالت بصوت متهدج ومغلف بالبكاء الحار فى محاولة لطمأنتها: «هى طبعاً اتصابت بس ما حصلهاش حاجة، فردت عليها هناء لتخفف عنها هى الحمد لله أصيبت فقط ثم بكت».
طوارئ فى «الدمرداش»: أسرّة المرضى خارج المستشفى وطوابير للتبرع بالدم.. وشاهد: «شُفت طفلة صغيرة ماسكة حتتين لحم بتشاور عليهم وتقول ده أبويا ودى أمى»
بيتر يعقوب، شاب يبلغ من العمر 20 عاماً، جلس على أحد المقاعد البلاستيكية أمام قسم الطوارئ فى مستشفى الدمرداش وملابسه غارقة فى الدماء، كان يبدو عليه الحزن، قال بصوت حزين: «أمى نزلت تصلى الصبح فى الكنيسة ولما عرفت أن الانفجار حصل من أحد زمايلى نزلت أدور عليها ورحت الكنيسة البطرسية ودورت عليها ما لقتهاش هناك رحت مستشفى دار الشفاء ما لقتهاش وبعدين طلعت على مستشفى الدمرداش قالوا لى إنها توفيت فى الحادث».
يصمت بيتر، صاحب الملامح الهادئة، عن الكلام قليلاً وهو يجلس بين زملائه الشبان ويدخل فى نوبة بكاء شديدة، ويقول: «عرفت بعد كدا إن أختى هى كمان ماتت، أنا كنت بحسب أن ماما هى بس اللى توفيت لكن أختى هى كمان استشهدت». هول الصدمة منع بيتر من التحدث مجدداً بأى كلمة فيما طالب صديقه المرافق له بعدم التحدث معه، لأن حالته النفسية والعصبية لا تسمح بذلك.
بجوار أحد أسرة المستشفى المتنقلة خارج قسم الطوارئ وقف رجل ثلاثينى طويل القامة، وصاح بأعلى صوته: «شوفوا القنبلة كان فيها إيه»، يرفع الرجل قطعة معدنية دائرية فى الهواء قبل أن يكمل حديثه: «البلية الحديد دى كانت فى وجه هذه السيدة، خلوا الناس تشوف إيه اللى حصل علشان التليفزيون بيقول إن التفجير من بره الكنيسة ولكن التفجير من جوه الكنيسة».
وأضاف: «هذه السيدة المسكينة التى تصرخ الآن من شدة الألم أصيبت أسرتها بالكامل فى هذا الحادث، حيث أصيبت والدة زوجها وأختها وأخت زوجها، وهى مصابة بجروح شديدة فى اليد والوجه، ومستشفى الدمرداش منتهى الإهمال وبيعالجوا الناس وهم ماشيين فى الشارع، وبيدوا لهم تحاليل وهما فى الطرقة وربنا ينتقم من اللى كان السبب». تلتقط منه أطراف الحديث شقيقته، وتقول: «هما اللى استشهدوا النهارده استريحوا علشان إحنا فى غربة، ولو الإرهابيين فاكرين إنهم بيخوفونا يبقى مش حقيقى وهما ناس ما عندهمش ذمة ولا ضمير».
وشهدت البوابة الخارجية لقسم الاستقبال بمستشفى الدمرداش الكثير من المشادات بين الأمن الداخلى للمستشفى وأهالى المصابين والمتوفين، كما توافد عدد كبير من الأهالى على المستشفى للتبرع بالدم.
وأمام باب قسم الاستقبال الداخلى فى المستشفى تجمع عشرات الأهالى من ذوى المصابين والمتوفين فى انتظار معرفة آخر المستجدات حتى قطع الهدوء الحذر صراخ سيدة خرجت لتوها من داخل الاستقبال وهى تقول: «أمى ماتت محدش يكلمنى»، ودخلت فى نوبة بكاء شديدة وتجمع حولها أقاربها للتخفيف عنها، فى الوقت الذى كان فيه عشرات من أطباء الامتياز فى مستشفى الدمرداش الجامعى لتقديم أى مساعدة للمصابين على الأسّرة الخارجية التى قاموا بإخراجها فى العراء أمام بوابة الاستقبال، وسارعوا بإسعاف أكثر من حالة مصابة فى الحادث على تلك الأسرة، حيت تنتشر بقع الدماء على أرضية مدخل قسم الاستقبال والمستلزمات الطبية التى يستخدمها الأطباء فى إسعاف المصابين. آمال أنيس حنا، سيدة خمسينية كانت تصلى فى الكاتدرائية بجوار الكنيسة البطرسية، قالت إنها سمعت صوت الانفجار الشديد أثناء الصلاة وخرجت من الكاتدرائية بسرعة لرؤية الانفجار الذى وقع فى المكان المجاور لهم وانهارت من المشاهد التى رأتها داخل الكنيسة. تقول السيدة بنبرة مرتفعة ممزوجة بالغضب: «لما رُحنا الكنيسة كان شكلها زى علبة التونة المحروقة جثث متقطعة وأشلاء منتشرة فى كل مكان وخصوصاً فى مكان السيدات، ورأيت جثة مقطوعة الرأس لسيدة، ورأيت العديد من الإصابات المتنوعة حيث أصيبت بعض السيدات بشظايا شديدة فى القدم والوجه وباقى أجزاء الجسم». وتضيف «آمال»: «نطالب رئيس الجمهورية بتشديد الإجراءات الأمنية على الكنائس لأن الانفجار حدث من الداخل وليس من الخارج، والمعروف أن الكنيسة البطرسية لا يوجد عليها بوابات أمنية إلكترونية أو أى أفراد أمن يقومون بتفتيش المصلين عكس الكاتدرائية التى يقومون فيها بتشديد الإجراءات».
فيما وقف أحد الشبان الغاضبين خارج المستشفى وقال: «عندما سمعت بالخبر جريت على الكنيسة ودخلت جوه كان المنظر بشع زى اللى بيحصل فى العراق وسوريا.. قطع بشرية منتشرة فى كل الأماكن، أنا دُست على قطعة لحم من أحد المتوفين وكانت الرائحة شديدة البشاعة، رائحة تشبه الرائحة الموجودة فى السلخانات ومحلات الجزارة، وشُفت طفلة عمرها 10 سنوات تمسك قطعتين من اللحم البشرى وتقول (دى من أبويا، والحتة التانية دى من أمى)، وكانت تحاول الطفلة الصغيرة الاستغاثة بأى شخص يدخل إلى الداخل ويشاهد الموقف». قال: «من المفترض أن البلد فى حالة مضطربة وكان لازم تشديد الرقابة على الكنيسة مش يدخّلوا الناس من غير تفتيش».
سيدة خمسينية كانت ترتدى زياً أسود، كانت تبكى بشكل هستيرى بجوار مكتب الأمن، وكانت تسأل عن جارتها التى كانت تصلى داخل الكنيسة وظلت تسأل عنها لمدة ساعتين كاملتين واعتقدت أنها توفيت بعدما أخبرها أحد الأقارب بأنها توفيت فى الحادث لكنها تلقت اتصالاً هاتفياً من بنت السيدة التى كانت تظن أنها توفيت تخبرها فيه بأنها عادت إلى البيت وهى بكامل صحتها، ما دفعها إلى العودة إلى بيتها بسرعة شديدة.
فى تلك الأثناء خرج أحد أطباء المستشفى قائلاً: «وقفتكم هنا مش مفيدة ولو عايزين تعملوا حاجة مفيدة اطلعوا على بنك الدم لأننا محتاجين نقل دم بسرعة»، وأضاف بصوت منخفض: «فىه بنت عندها 10 سنين مصابة بانفجار فى الطحال وتحتاج إلى 8 أكياس دم لوحدها».
وبعد ما يقرب ساعة ونصف الساعة خف الزحام أمام باب قسم الطوارئ بعدما توجه كثير من الأهالى إلى بنك الدم، وفوجئ الجميع بصوت صراخ شديد لرجل ستينى خرج لتوه من الاستقبال بعدما تأكد من وفاة زوجته فى الحادث وظل يصرخ بشكل هستيرى لعدة دقائق وتسبب فى بكاء معظم الموجودين، بعد ذلك قام العاملون فى المستشفى بإدخال الأسّرة إلى داخل المستشفى بعدما تأكدوا أنه لا يوجد مصابون جدد فى مكان الانفجار أو بالمستشفى.