الجيش لن ينزل إلا إذا انهارت الدولة.. والأزهر لن يتحرك إلا إذا تم الاقتراب من شيخه، والقضاء لا ينتفض إلا مع تقديم مشروع قانون جديد للقضاء يهدد بالإطاحة بما يقرب من 3500 قاض ممن تجاوزوا سن الستين، كذلك تفكر المؤسسات الثلاث التى يشخص إليها الشعب حالياً، ويجد فيها الخلاص من حالة الفوضى والعبثية التى أصبح يحيا فى ظلالها، لكن يبدو أن هذه المؤسسات -مثلها مثل المواطن- «قاعدة مستنية الفرج»!
الكثير من العسكريين أكدوا أن الجيش لن ينزل إلا إذا شعر أن مؤسسات الدولة تنهار، وأن البلد «خرب» تماماً، عندئذ فقط سوف تجد قواتنا المسلحة فى الشارع.. والسؤال «وما لزوم النزول ساعتها؟»، ما هى قيمته وقد انفرط عقد الدولة، وسقط الاقتصاد بصورة نهائية فى هوة سحيقة، ونزل كل مواطن إلى الشارع شاهراً سيفه لأخيه المواطن، وتحول شعب بأكمله إلى مجموعة من الفرقاء، بأسهم بينهم شديد؟ إن رهان الجيش على النزول فى حالة الانهيار رهان لا معنى له، لأن النزول وقتها لا قيمة له. والسر فى إصرار «العسكريين» أنهم يتحركون بالمنهج الشعبى الذى يقول «رجل برة ورجل جوه»!.
تعال بعد ذلك إلى الأزهر، تلك المؤسسة التى ظلت لسنين تؤكد تزعمها لمعادلة الإسلام الوسطى، فمنذ أن بدأت «الدقون» تتربع على مقاعد السلطة بعد الثورة التى نادت بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية ولم ترفع شعار «تمكين الدقون»، أصبحت مصر ساحة للأفكار المتطرفة التى تكفر ليس مخالفها فى الدين فقط بل مخالفها فى الرأى، وتدعو إلى قتاله، وتلوك ألسنتها فى الأعراض، وتسب وتشتم، وتطعن وتلعن. ماذا فعل شيخ الأزهر أمام كل ذلك، ماذا فعل رجال الأزهر أمام الإساءات التى كالها هؤلاء للإسلام، وأمام نيلهم من العقيدة السمحاء بالترهات التى ترعى فى عقولهم؟.. لا شىء.. فقط انتفض الأزهر عندما اقترب الخطر من شيخه «أحمد الطيب»، وبدأت الأحلام الإخوانية تتحول إلى واقع يستهدف الإطاحة بالشيخ من أجل أخونة «المشيخة»!. المشكلة أن شيخ الأزهر يحاول باستمرار إمساك العصا من المنتصف، فيعجز عن الدفاع عن الفهم الحقيقى للإسلام بها.
أما الأعجوبة الحقيقية فترتبط بالقضاء الذى خرج مجلسه الأعلى راجياً المستشار طلعت عبدالله الاستقالة من منصبه كنائب عام «إخوانى» بعد أن حكم القضاء بعودة النائب الفلولى «المستشار عبدالمجيد محمود»، وخرج ناديه منتفضاً ضد قانون الإخوان لتأميم السلطة القضائية. لقد كنت أتوقع أن يفرض المجلس على المستشار طلعت عبدالله تطبيق القانون والالتزام بحكم المحكمة، بحكم أن المجلس هو حارس السلطة القضائية فى مصر، لكن المشكلة أن حراس القانون يعتمدون فى تطبيق أحكامه على المحايلة، لأنهم يتحركون بمنطق «جبر الخواطر على الله»!