أظن -وليس كل الظن إثماً- أن دعوة الرئيس «السيسى» إلى تحمل الظروف الاقتصادية الصعبة التى نمر بها لستة أشهر مقبلة، لا تعنى وعداً باختلاف الأمور بعدها. مساء اليوم الذى طرح فيه الرئيس هذه الدعوة، تداخل المتحدث باسم مجلس الوزراء مع الإعلامى وائل الإبراشى، وذكر أن الأمور ستنفرج فى مصر، خلال عامين أو ثلاثة أعوام. الشعب سبق وسمع وعوداً كثيرة بتحسن أحوال، وحل مشكلات، ولم يتغير حال، ولم تحل مشكلة. لا أقصد بهذا الكلام أن أكون مثبطاً، أو مصادراً على حق الغير فى الحلم، ففى كل الأحوال كلنا يحلم ويتمنى أن يقيل الله هذا البلد من العثرة الاقتصادية التى أحكمت قبضتها على أهله.
الواقع يقول بصعوبة اختلاف الأمور بعد ستة أشهر من الآن لعدة أسباب، أولها أن المشكلات لا تحل بين يوم وليلة، وثانيها أن المشكلة التى تراكمت عبر سنين لا تحل فى شهور، وثالثها أن تغير الحالة يعنى تغيير الأداء وأسلوب العمل، والواضح أننا أمام سلطة لها طريقتها الخاصة فى حل المشكلات، وهى مصرة كل الإصرار عليها، وقد أدت هذه الطريقة إلى خلق مشكلات عديدة فى الواقع، ليس من الوارد -عقلياً ومنطقياً- أن يتم حلها بنفس الطرق التقليدية التى دأبت عليها تلك السلطة. ثمة أسباب أخرى تتعلق بأوضاع العلاقات المصرية العربية، وكذلك الدولية، لا يجب تحييدها، ونحن بصدد بناء توقعات حول المستقبل، خصوصاً مستقبل الأوضاع الاقتصادية فى البلاد.
ظنى أن حديث الرئيس ينصرف إلى إجراءات اقتصادية جديدة لا بد أن الحكومة آخذة بها خلال الأشهر الستة المقبلة، ستحول معاناة المواطن إلى ألم مبين، يصح أن يدخله فى دائرة احتضار. الحكومة -كما تعلم- تتطلع إلى الحصول على الجزء الثانى من الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولى، وثمة زيارة «تفتيش» ستقوم بها بعثة الصندوق، لمراقبة مدى التزام مصر ببرنامج الإصلاح الذى اتفقت عليه مع الصندوق (أوائل مايو 2017)، وهى زيارة من الوارد أن يسبقها عدة إجراءات أبرزها رفع أسعار البنزين والسولار من جديد، بسبب الارتفاع النسبى فى أسعار البترول عالمياً، والارتفاع المدوى للدولار أمام الجنيه. نعم السلطة بكل مستوياتها لم تتحدث فى موضوع رفع أسعار البنزين والسولار صراحة، لكنها لم تنفه صراحة أيضاً، حين سئلت عنه. ورغم استقرار الحكومة على زيادة تتراوح بين 30%- 50% فى أسعار الدواء، إلا أن هذه الزيادة لم ترض الشركات، بسبب ارتفاع سعر الدولار بنسبة تزيد على 100%، ولك أن تتصور تأثير «العركة» بين الحكومة وشركات الأدوية على سعر سلعة كالدواء تدخل فى صميم الاحتياجات الحياتية للمواطن.
الحكومة لا تتوقف عن وعيد المواطن بزيادات مرتقبة فى الأسعار، مؤكد أنها سوف تزيد من معدلات التضخم، وستتسبب فى مزيد من الركود داخل الأسواق، والانكماش فى إنفاق المواطن حتى على الاحتياجات الأساسية، وسيؤدى الركود والانكماش إلى توقف مشروعات أخرى غير التى توقفت، لتضاف فئات جديدة إلى دائرة «أصحاب الحال الواقف». بواقعية الأحوال خلال الأشهر الستة المقبلة تنبئ بصعوبات كثيرة مقبلة، لن يغنى الحديث عنها من آثارها المرتقبة على العلاقة بين الشعب والسلطة شيئاً.. نحن أمام أشهر عجاف قاسية ستأكل أشهراً عجافاً سبقتها!