«مارجرجس»: «مولد» الوحدة الوطنية
جانب من احتفالات مولد مار جرجس بكفر الدوار «صورة أرشيفية»
أكثر من 200 ألف زائر تستقبلهم مدينة كفر الدوار على مدار أسبوع الاحتفال بمولد «الشهيد مار جرجس»، مسلمون ومسيحيون يقصدون المدينة من كافة المحافظات، يتشاركون الاحتفال بالمولد الأبرز فى محافظة البحيرة منذ سنوات، الشباب والنساء يزاحمون العجائز عند مدخل الكنيسة التى تحمل اسم «الشهيد»، من الصعب التمييز بينهم، أيهم مسلم وأيهم مسيحى، حتى «بركات القساوسة» لم تعد تقتصر على المسيحيين فقط، بل تشهد أماكن تقديم القرابين والنذور حضوراً ملحوظاً للمسلمين، أغلبهم من كبار السن، الذين نشأوا على مخالطة المسلمين لإخوانهم المسيحيين داخل دور العبادة، وأصبحت الأماكن الخاصة بدقّ «الوشم» من أبرز المشاهد التى يتردد عليها المسلمون بكثرة، ورغم أن «مذبح الكنيسة» خاص بتقديم نذور الأقباط فإن بعض المسلمين، من أصحاب الحاجات، يقفون ضمن صفوف أصحاب النذور. وفى آخر أيام الاحتفال، يودع الآلاف من المشاركين فى المولد الكنيسة بعبارة «بعودة يا بطل»، لا يتردد العديد من المسلمين فى قولها، كغيرهم من إخوانهم المسيحيين، وهو ما أضفى بعض الاختلاف على احتفالات المولد هذا العام عن السنوات السابقة، نتيجة تزايد أعداد الحضور من المسلمين، بل ووجودهم بكثافة داخل أسوار الكنيسة، يمارسون هوايتهم فى شراء بعض التماثيل والصور الخاصة بـ«الشهيد مار جرجس»، أو حلوى المولد والحمص والهدايا التذكارية، بالإضافة إلى إقبال المسلمين على «دق الوشم»، حيث يقوم المسيحيون برسم «الصليب» أو غيره من الرسومات المميزة لمناسبة المولد، بينما يحظى المسلمون برسومات أخرى للكبار والصغار.
«زينب» حضرت المولد «عشان ربنا يشفى بنتها» و«سعدة» تشاهد نفس البائعين فى مولد السيد البدوى.. و «قس»: المسلمون يحصلون على «القربان» ويذبحون فى المجزر الخاص بكنيسة «الشهيد»
وعن مشاركة المسلمين فى الاحتفال بمولد «مارجرجس» تحدث «محب جاب الله» شماس بالكنيسة: «لم ولن نمنع أحداً من الإخوة المسلمين من دخول الكنيسة فى أى وقت، سواء كانت أوقات احتفالات بالمولد أو غيرها، ولكن هناك أماكن خاصة بالعبادات توجد تعليمات بعدم دخولها لغير الأقباط»، وقال مصدر كنسى، رفض ذكر اسمه: «نرى العديد من المسلمين داخل الكنيسة خلال احتفالاتنا بمولد الشهيد مار جرجس، وكان المسلمون يأتون فى السابق لشراء الحلوى والتحف والألعاب فقط، ومع مرور السنوات تحولت عادات المسلمين إلى التقرب والاعتقاد ببركات الشهيد العظيم، ونحن لا نصد أى أحد يلجأ إلى كرامات الشهيد مار جرجس»، وأضاف أن «الاحتفالات بهذه الذكرى بدأت منذ عام 1930 بمدينة كفر الدوار، وظلت طوال هذه السنوات تعبيراً عن المودة والحب بين المسلمين والأقباط»، مشيراً إلى أنهم «يرفعون الصلوات ليحمى الله مصر ويقيها شر الأعداء».
«جئنا لك يا صاحب الكرامات، شدينا الرحال وطلبنا الصلوات والبركات والمعجزات، يا حارق الشياطين ومنقذ اللاجئين وسند الضعفاء والمساكين»، كلمات يقولها رواد مولد «مار جرجس»، وخلال جلساتهم داخل الكنيسة يتحدثون عن «معجزات الشهيد العظيم»، ويتوافد على الكنيسة الآلاف من مختلف أنحاء مصر، يفترشون الأرض وحولهم أمتعتهم ومتعلقاتهم، ويعسكرون فى الساحة لعدة أيام، قبل «الليلة الكبيرة»، لا تعرف منهم المسلم من المسيحى، إلا بعض السيدات اللاتى يرتدين الحجاب الإسلامى، ومنهم من يجلب معه نذره، وهو عبارة عن «ذبيحة» يقدمها على مجزر الكنيسة، ليتم توزيع لحومها على الفقراء.
وقال «هانى سعد»، مسئول المجزر بالكنيسة: «نستقبل الذبائح من جميع من يحضر، بصرف النظر عن كونه مسلماً أو قبطياً»، مشيراً إلى أن «هذا النذر يكون بين الإنسان وربه، ولا يستطيع أحد أن يسأله عن سبب النذر، وهناك من يعلن عن سبب نذره، مثل طلب الشفاء، أو رعاية الرب لأطفاله، وغيرها من النذور، التى تخص الأقباط أو غيرهم».
كما يستقبل مخبز «القربان»، الموجود بالمدخل الرئيسى للكنيسة، الزوار من المسلمين والأقباط، يقدمون لهم «القربان»، وهو عبارة عن رغيف خبز صغير مصنوع بطريقة مخصصة للكنيسة، يأخذه الأقباط بركة من الكنيسة، ولا يقدمون على تناوله لقدسيته، أما المسلمون فغالباً ما يأكلونه، ويحرص كل كبير وصغير على الحصول على هذا «القربان»، الذى يوزع مجاناً لكل فرد، ويقوم على صناعته خبازون متخصصون، ولا يعرف سر صنعته إلا القائمون عليه. وقالت «زينب رجب المشد»، 68 سنة: «حضرت إلى مقر الكنيسة خلال مولد مار جرجس فى شهر مايو الماضى، بعد أن نصحنى بعض الجيران باصطحاب ابنتى المصابة بحالة عصبية ومس شيطانى لتتلقى العلاج داخل الكنيسة طلباً للشفاء وجلب عريس لها، وهذا الأمر نعرفه منذ عقود بعيدة، حينما كنت أسكن بجوار الكنيسة قبل زواجى، وكنت أرى قاعة الصلاة الخاصة بالكنيسة مليئة بالمسلمين الذين يقصدون القس لعلاجهم من العديد من الأمراض، وحصلت عندما ذهبنا على مياه خاصة بالكنيسة للاغتسال بها»، وعن حقيقة الشفاء قالت: «نحن نؤمن أن الشفاء بيد الله، ولكننا نأخذ بالأسباب». أما «سعدة جمال الشيخ»، 54 سنة، فقال: «نشأت فى حى بولس بمدينة كفر الدوار، وهى منطقة مليئة بالأقباط، وكنا لا نعرف المسلم من القبطى إلا بالصليب الموجود على يده، ولم نشغل بالنا فى يوم من الأيام بمسألة الديانة، وذهابى إلى مولد مار جرجس لا يعنى اعتناقى للدين المسيحى، بل هناك مسلمون كثيرون يذهبون للمولد، ليس لأخذ البركة فقط، بل لمشاهدة الألعاب وشراء الحلوى والتحف، وكل ما هو جديد فى المولد»، وتابع بقوله: «أنا معتاد الذهاب إلى الموالد الخاصة بأولياء الله، وعندما أذهب إلى مولد السيد البدوى فى طنطا، أو إبراهيم الدسوقى فى دسوق، أجد نفس الباعة يفترشون المولد بأصناف الحلوى التى أراها فى مولد مار جرجس».