مع انصرام عام وبدء عام جديد كثرت النبوءات حول مستقبل سعر الدولار أمام الجنيه خلال 2017. فمن قائل إن سعره سيزيد بمعدلات معينة خلال النصف الأول من العام، وإن معدلات الزيادة يمكن أن تتسارع بوتيرة أعلى خلال النصف الثانى منه، ومن قائل إن الأمور سوف تسير عكس ذلك وسوف تنخفض أسعار الدولار، وتتحسن أوضاع الجنيه خلال 2017. فى كل الأحوال يبدو الأمر وكأنه استنساخ لنمط أداء المنجمين والعرافين الذين ينتعش الطلب عليهم مع مطلع كل عام، حتى يقرأوا للناس طالعهم، فيحدثونك عن شخصيات ستموت، وأخرى ستمرض، وثالثة ستصح، وأحداث ستشهدها البلاد، وأخرى ستعاينها دول أخرى، وأن برج فلان يقول إن حظه حديد، وبرج «علان» يؤشر إلى أن حظه «صفيح»، وهكذا. الناس فى كل الأحوال تنظر إلى المنجمين بعين الريبة، حتى لو صدقوهم، فى حين يختلف الأمر بالنسبة لمسئولين أو متخصصين فى مجال -مثل الاقتصاد- يتحدث أهله عن مسألة هدت كيان المصريين خلال عام 2016، وهى مسألة وضع الجنيه أمام الدولار.
الشاهد فى هذا الأمر أن بعض المسئولين وكذا المتخصصين يتناولون شئون المستقبل فى مصر بمنطق لا يقل سذاجة عن منطق المنجمين، إذا صح أن يكون التنجيم محكوماً بمنطق. فبم نفسر كلاماً سمعناه عن موضوع «الجنيه والدولار» خلال عام 2016، من نوع: «مشكلة الدولار ستحل تماماً أول يونيو 2016»، و: «حجم الاحتياطى فى هذا التاريخ سيتجاوز الـ30 مليار دولار»، وكلام من فصيلة «الدولار هيبقى بـ4 جنيه» وغير ذلك؟!. واضح أن هذا الكلام لم يستند إلى معلومات دقيقة أو حسابات منطقية، فجاء أشبه بأحاديث المنجمين والمشعوذين، وللأسف ما زالت العديد من الأحاديث التى تتناول موضوع «الجنيه والدولار» تتعامل معه بنفس الطريقة القائمة على التنجيم وضرب الودع، ووشوشة الدكر!.
هل تعرف معنى عبارة «وشوش الدكر» التى يستخدمها «الضاربون بالودع»؟. إذا كنت لا تعرف دعنى أقول لك.. الطلب الأول الذى يطلبه أو تطلبه منك ضاربة الودع هو «وشوشة الدكر»، لكى تحكى له ما يعكر عليك حالك، وما تحلم بتحقيقه فى الحاضر أو المستقبل، ثم تأخذ «دكر الودع» منك وتبدأ فى كشف الأسرار التى أفضيت له بها، وتحكى لك ما يؤرقك من مشكلات فى الحاضر، وما ينتظرك من أحداث ستؤدى إلى حلها أو تعقيدها فى المستقبل. من المعلوم أن لجوء الإنسان إلى الدجل والشعوذة يرتبط بشعوره بالعجز وقلة الحيلة. فإحساس الفرد بالسيطرة على أمور حياته يجعله أكثر عقلانية، لكن الأمر يختلف عندما تغيب السيطرة.
مع مطلع عام جديد، أتصور أننا جميعاً مطالبون بتبنى رؤية أكثر عقلانية فى النظر إلى مشكلاتنا، ينطبق هذا على المسئول الذى يدير، كما ينطبق على المواطن الذى يعانى من المشكلة. أفهم أن يقدم المسئولون توقعات علمية لمسارات الأحداث والمشكلات، لكننى لا أستطيع أن أستوعب الكلام الجزافى غير المحسوب، وأفهم أن يتفاءل المواطن بالآتى، ولكن بوعى عميق بالإسهام المطلوب منه للوصول إلى مستقبل أفضل، بعيداً عن حكاية «وشوشة الدكر»..!.