نامت الحكومة وصحيت.. قررت الموافقة على اتفاقية ترسيم الحدود، والتنازل عن جزيرتى تيران وصنافير لصالح المملكة العربية السعودية، ضاربة عرض الحائط بأحكام القضاء، ونصوص الدستور، والأدلة والبراهين التى ساقها المتمسكون بمصرية الجزيرتين على تبعيتهما للدولة، وأنهما جزء لا يتجزّأ من الإقليم المصرى. الاتفاقية الآن بين يدى أعضاء مجلس النواب، ليقرروا موقفهم منها. هناك - كما تعلم- اتجاه شعبى يقف متبرّماً، وفى الوقت نفسه، متعجباً، من سلطة تنفيذية تعمل بكل جهدها على اقتطاع مساحة من الأرض تخضع لسيادتها لتعطيها لدولة أخرى، فى وقت لا تسمح فيه دول مجاورة، مثل إسرائيل، بالتنازل بسهولة عن شبر واحد، من أرض احتلتها، ولا يوجد لها أى تاريخ فيها. الكل يتذكر موقف الدولة العبرية من منطقة طابا المصرية، والمعركة التى خاضتها مع مصر فى هذا السياق، فى محاولة للاحتفاظ ببضعة كيلومترات من الأرض. ما دلالة أن تتنازل سلطة بهذا القدر من الأريحية والكرم عن أرض تحت سيادتها، ولديها من الوثائق والأسانيد ما يؤكد تبعيتها لها؟!.
إذا شعرت السلطة بأنها بلا شعب يمكن أن تفعل.. ربما قالت الحكومة لنفسها: «نحن نستطيع»، فقد ابتلع الشعب العديد من الإجراءات الاقتصادية الصعبة التى سمّمت معيشته، وسكت. ما الضير أن نفعل المزيد؟. ظنى أن موضوع «الأرض» يختلف أشد الاختلاف. الأرض بالنسبة للمصريين مسألة بالغة الحرج. ومن السذاجة أن يتصور البعض أن الشعب يعبر ببساطة على أداء الحكومة فى ما يخص موضوع تيران وصنافير، الذى يُقدّم لنا مشهداً غير مسبوق تاريخياً، لمؤسسات دولة تفتش فى كل دولاب من دواليبها عن أى ورقة، تثبت، ولو من بعيد، أن هذه الأرض ليست مصرية، حتى تمنحها لدولة أخرى. إنها حكومة تشعر بأنها تحكم «شعب انتساب»!. لقد سمع الكثيرون كلام الأستاذ مكرم محمد أحمد عن قيام إسرائيل بتولى المهام الأمنية على الجزيرتين، بعد تسليمهما للمملكة، وهو كلام لم تنفه أى جهة حتى الآن، ورغم ذلك يرون هذا النشاط المحموم -الذى لا نلاحظه فى ملفات اقتصادية مهمة- من أجل تسليم الأرض للغير!.
إننى أتعجب أشد العجب من أصوات كانت تتحدث بالأمس عن الكبرياء المصرى الذى لا يهتز، فى سياق التوتر الذى شهدته العلاقات المصرية - السعودية خلال الأسابيع الأخيرة، ثم قطعت ألسنتها اليوم، أو ابتلعتها، وهى ترى الحكومة تتخذ قراراً بالتنازل عن أرض نتسيد عليها، لنعطيها لدولة لم تقدم ورقة واحدة تدلل على تبعيتها لها، وتحيل الموضوع إلى مجلس نواب كلنا نعلم من أى بئر ينضح!. أين من صدّعوا رؤوسنا بأحاديثهم عن الكبرياء المصرى.. الكبرياء الحقيقى يظهر فى التمسك بالأرض، اللهم إلا إذا كانوا يقصدون بكلامهم شيئاً آخر، ويعنون أن الحكومة ترى لنفسها الكبرياء فى أرض المحروسة، وبين أهل المحروسة كـ«شعب منتسب»، وأنها تملك أن تفعل ما تريد، وتقرر ما تشاء، اتكالاً على أنها تحكم شعباً أصبح جثة هامدة بلا حراك، ليس فى مقدوره أن يعلمها أن الكبرياء لله.. وأن صوت الشعب من صوت الله!.