وكأنهم لا يسأمون!.. ما إن نقترب من ذكرى ثورة يناير، حتى يخرج علينا البعض محذرين من ذلك اليوم، ومتحدثين عن الخطط الجهنمية التى تحيكها الإخوان مرة، و6 أبريل مرة، والاشتراكيون الثوريون مرة، أو تحيكها هذه القوى مجتمعة، لنشر الفوضى فى مصر فى ذلك اليوم. يحدث ذلك مع كل ذكرى للثورة منذ نجاحها فى زلزلة حكم «مبارك» عام 2011، ويصح أن يقع فى تواريخ أخرى، كلما اقتضت الضرورة ذلك. فى كل مرة تخرج نفس الأصوات لتكرر نفس الكلمات، وتمر الذكرى دون أن يحدث شىء. الهدف الواضح من هذه الممارسات يقع فى خانة «شيطنة يناير» وربطها فى ذهن المصريين بالفوضى وانفلات الأوضاع، وهو هدف سعت إليه أغلب الحكومات التى تولت المسئولية بعد 2011، مستخدمة فى ذلك نفس الطرق التقليدية العقيمة، التى ملها أغلب الناس.
مساكين!.. لا يصح أن يوصف من يتبنون هذا الخطاب سوى بـ«المساكين»، لأنهم لم يتوقفوا عن إسماع الناس أسطواناتهم المحفوظة طيلة السنين الماضية، ورغم ذلك لم تزل الثورة حية ترزق، وإلا بماذا نفسر استمرارهم على نفس النهج، طيلة هذه السنين؟ مؤكد أنهم يشعرون أن الثورة التى نجحت فى التخلص من «مبارك» لم تزل تمارس تأثيرها على الواقع، ذلك التأثير الذى بان فى نص دستور 2014 عليها، وفى تحرك الرافضين لبعض نصوص قانون التظاهر، ومن احتجوا على سعودة أرض مصرية، ومن وقفوا ضد تغيير نصوص الدستور التى لا ترضى أصحاب الفكر العقيم، وفى محاولات الحكومة الدائبة لإثبات أى قدر من الجدية فى الحرب على الفساد، وفى الأحاديث المتتالية على لسان رئيس الدولة ويؤكد فيها أنه خاضع لإرادة الشعب. كل هذه المشاهدات وغيرها تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن نبض الثورة لم يزل حياً، ويغيظ منكريها.
لاحظ حالة الذعر والرعب، التى تنتاب هؤلاء من أية دعوة، حتى الدعوات التى تخرج عن آحاد البشر، أو حركات لا وجود لها على أرض الواقع، وتتحرك فقط على صفحات الفيس بوك، وستعلم أن «يناير» ما زالت تشكل رمزاً حياً ما بين كارهيها، وكذا بين من آمنوا بها، وشاركوا فيها. ولو كان لدى هؤلاء أى قدر من الحكمة لفهموا أن هذا الشعب ليس مضبوطاً على ساعة أو يوم أو شهر أو عام محدد. الشعوب تتحرك وقتما تريد. والدرس الرئيسى الذى علمته يناير للجميع، أن الشعب هو الرقم الأهم فى معادلة التغيير السياسى، وأن السلطة التى تحكم يجب أن تخشى شعبها، وتسعى إلى الأداء بصورة ترضيه، وتحقق أحلامه فى الحرية والكرامة والمعيشة اللائقة، وإلا أصبحت فى غير مأمن منه. وقد قلت لك -غير مرة- إن المصريين إذا قرروا الخروج، فإن المسألة ستختلف هذه المرة، لن تتشابه مع ما حدث فى يناير 2011، ولا يونيو 2013، سيكون خروجاً غير محدد الموعد، وغير محسوب النتائج. على الجميع أن يستوعب ذلك، وعلى كل من يحب هذا البلد ويسعى إلى استقراره أن يسترجع الدرس الخالد الذى علمته لنا «يناير».. درس «مين خاف شعبه سلم»..!.