قفزت فى ذهنى وأنا أتابع الهجوم الإسرائيلى الأخير على سوريا العبارات التى سبق ورددها الشيخ «يوسف القرضاوى» منذ عدة أيام، ودعا فيها أمريكا إلى: «أن تقف وقفة رجولة، وقفة لله، وقفة للحق وللخير، وتتدخل للدفاع عن الشعب السورى». لست أدرى كيف ترخّص الشيخ فى نطق مثل هذه العبارات، التى تحمل دعوة صريحة للولايات المتحدة الأمريكية كى تتعاون مع الجيش السورى لإنقاذ السوريين من بطش «بشار الأسد». ويبدو أن أمريكا أنصتت جيداً للشيخ «القرضاوى» فوقفت «وقفة لله»، وتحركت بـ«رجولة» مفرطة، وسلّطت «حليفتها» إسرائيل على سوريا، فهاجمتها أكثر من مرة -خلال الساعات الماضية- وقتلت المئات من جنود الجيش السورى.. وكله بـ«بركة الشيخ».
الشيخ البركة لا يجد غضاضة فى أن يستعين الجيش الحر فى سوريا بالولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل من أجل التخلص من نظام بشار الدموى، ليحل محله نظام إخوانى شبيه بالنظام الحاكم لمصر حالياً، وربما برر «الشيخ» دعوته تلك من منطلق أن الأمريكيين من أهل الكتاب، وبالتالى فلا ضير من الاستعانة بهم فى مواجهة الروس «الملاحدة» الذين يقفون فى صف بشار الشيعى العلوى، تماماً مثلما برر كهنة الجماعات الإسلامية من قبل -بمن فيهم الشيخ أسامة بن لادن- التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية لتحرير أفغانستان من الاحتلال السوفيتى. وما لا يفهمه هؤلاء الكهنة -ومعهم الشيخ «القرضاوى»- أن أمريكا وإسرائيل لا تجيدان العمل أو الحديث إلا بلغة المصالح. وإذا كان شيوخ الإخوان يرون أنه لا ضير من التعاون مع أمريكا وإسرائيل، لبعض الوقت، من أجل تمكينهم من حكم الدول التى ورثوها عن أسلافهم الفسدة والطغاة، من أمثال «مبارك» و«بشار»، فإن ذكاءهم يخونهم حين يعتقدون أن بإمكانهم تأسيس حكمهم على بيع الأوطان. فما أسرع ما سيدفعون الثمن على يد الشعوب التى لا تموت.
كل ما أخشاه وأنا أجد أمريكا وإسرائيل تستجيبان لدعوة «القرضاوى» أن تجدّ فى الأمور أمور، فتشهد مصر -لا سمح الله- أوضاعاً شبيهة بسوريا، ليجد «جيش الإخوان» نفسه مضطراً إلى مواجهة الشعب المصرى. الخوف فى هذه الحالة أن يخرج علينا «الشيخ» داعياً الولايات المتحدة الأمريكية من جديد إلى أن تقف «وقفة لله»، وتدعم جيش الإخوان فى مواجهة الطغمة الفاسدة التى تريد القضاء عليه، لتحرم «النماردة» من أهل مصر من الخير العميم الذى تريده الجماعة لهم. لقد اعتاد المصريون استخدام وصف «بركة» عند الحديث عن الآباء والأمهات الطاعنين فى السن، الذين ينعم الله عليهم، أواخر حياتهم، بنعمة الصمت وقلة الكلام، والانخلاع المنظم من الحياة استعداداً للحظة النهاية. الشيخ يوسف القرضاوى -متعه الله بالصحة والعافية- يقف الآن على عتبة السابعة والثمانين من عمره.. وحلّت له البركة!.