الأزمة المتعلقة بتحديد موعد فتح باب العمرة تقدم لك بياناً عملياً لوضع شعب وحالة حكومة. وزارة السياحة اتخذت قراراً بتأجيل رحلات العمرة إلى شهر رجب المقبل (أواخر شهر مارس 2017). خرج المسئولون بها يصفون قرار التأجيل بـ«قرار الدولة». السبب الجوهرى للقرار يرتبط بسعر الدولار بعد تعويم الجنيه، ومن البديهى أن يخلق فتح باب العمرة باباً آخر للطلب على الدولار والريال السعودى، الأمر الذى سيزيد من حدة الأزمة التى تضرب سوق العملة الأجنبية فى مصر، والتى لا يعلم أحد متى ستنتهى.
قابل قطاع لا بأس به من المواطنين القرار بدرجة محسوسة من الغضب، إلى حد وصل ببعضهم إلى وصف ما يحدث بأنه نوع من أنواع الحرمان من شعيرة دينية مقدسة. ومع تقديرى الكامل للعواطف الدينية لمن يتبنى هذا الطرح وشوقه لزيارة الأراضى المقدسة، إلا أننى لا أعفيه من الشطط والخلط فى أمور لا ينبغى الخلط بينها، خصوصاً المواطنين الذين سعدوا بالعمرة قبل ذلك عدة مرات، وكان يكفيهم مرة واحدة. الظرف يحكم الإنسان، والله تعالى أحل للمسلم عند مواجهة ظروف صعبة، ما لم يحله له فى غيرها. على سبيل المثال، الله تعالى حرم أكل الميتة، ورغم ذلك جعل طعامها حلالاً فى ظروف المجاعة، لأن حفظ النفس الإنسانية مقدم على مسألة الالتزام بالحلال والحرام فى المطاعم. يقول الله تعالى: «فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ». وقد سبق هذه الرخصة القرآنية حديث عن أنواع الطعام التى حرمها الله على المسلم. ترتيباً على ذلك يمكن القول بأن فهم الظرف جزء من العبادة، هذه مسألة لا بد أن يستوعبها الغاضبون من تأجيل رحلات العمرة. ولا أجدنى بحاجة إلى التذكير أن بعضاً من هؤلاء تحولت العمرة فى حياتهم إلى مجرد «فسحة»، بعد أن فقدت المسألة التعبدية زخمها لكثرة التكرار.
حال الحكومة ليس أقل بؤساً من حال المواطنين، لأن قرار التأجيل لا يعنى حلاً للمشكلة، بل مجرد إرجاءً لها، وترحيلاً من شهر فبراير إلى أواخر مارس وأول أبريل. تأجيل المشاكل منهجية أساسية من منهجيات العديد من الحكومات التى تعاقبت على مصر، بما فيها الحكومة الحالية. كان من الممكن أن يكون القرار مبرراً إذا كانت الحكومة بصدد الوصول إلى حل للمشكلة خلال الأسابيع المقبلة، لكن أحداً لا يستطيع أن يراهن على ذلك، لأنها ستظل قائمة فى الأغلب. فسعر الدولار فى مصر ما زال متأرجحاً عند سقف مرتفع، يبلغ فى أيام العشرين جنيهاً، ورغم وعود الحكومة المتكررة بأن السعر سينخفض، وحديثها الذى لا ينقطع عن السعر العادل للدولار، دون أن يجد جديد. لذلك فإننى أخشى كل الخشية من أن يكون قرار الحكومة مجرد تأجيل لمشكلة، لنواجه أزمة كبرى عند فتح باب العمرة فى رجب المقبل، اللهم إلا إذا فاجأنا المسئولون بقرار بإلغاء العمرة هذا العام، لتواجه بغضبة أشد من جانب المشتطين فى التمسك بهذه الشعيرة دون وعى بأصول دينهم!.