منذ ثلاثة أسابيع أُعلن عن تعديل وزارى وشيك خلال ساعات من أجل تحسين الأداء الحكومى لمواجهة الأزمات التى تمر بها البلاد وبعد انتظار هذه المدة خرج التعديل الوزارى مخيباً للآمال، ليس فى أشخاص مَن تم اختيارهم للمناصب الوزارية فحسب، ولكن الأهم هو أن هذا التعديل قد عبّر بصدق عن مدى ما يعانيه النظام من فقر فى الفكر وانعدام للرؤية وانسداد حاد فى شرايين النظام السياسية.
فقد كنا نتوقع مثلاً أن يعمل هذا التعديل لترسيخ المشاركة الوطنية وأن يستغل النظام الفرصة لتحقيق حد أدنى من الوفاق الوطنى والسياسى تمهيداً لاستقرار أوضاع البلاد، ولكن الذى حدث هو تعديل من نوع «القص واللصق» المفتقر لأى رؤية أو ذكاء أو حتى رغبة فى تغيير الأداء والسياسات للحكومة.
وما يؤكد ذلك عدة أمور نرصدها فيما يلى:
1) عكَس التعديل حالة التخبط والارتباك و«الحوسة»، فبعد قطع شوط كبير من المباحثات مع صندوق النقد الدولى بمعرفة وزراء المجموعة الاقتصادية نفاجأ بتغيير وزيرى التخطيط والمالية اللذين قطعا الشوط الأكبر من المباحثات مع الصندوق، ولا شك أن أشخاص المفاوضين بما اكتسبوه من معلومات أو من تواصل شخصى مع مَن يتفاوضون معه يشكلون عاملاً حاسماً فى نجاح هذه المفاوضات، فهل كان تغييرهما لفشلهما فى هذه المفاوضات؟ هذا الفرض يتعارض مع ما صرح به رئيس الوزراء نفسه من أنَ المفاوضات تسير نحو قرب إنهاء إجراءات الحصول على القرض، ويخرج علينا المتحدث باسم رئاسة الوزراء ليقرر أن تغيير وزراء المجموعة الاقتصادية لا يؤثر على قرض الصندوق لأن الأخير يفاوض الحكومة ولا يفاوض أشخاصاً وكأن الحكومة شىء ووزراءها شىء آخر، ألا تتكون الحكومة من أشخاص؟ وهل يمكن أن تكون الحكومة بدون أشخاص الوزراء؟
2) قرر أحد قيادات حزب الحرية والعدالة «أن الهدف من التعديل هو مواجهة الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد وحل المشاكل المتراكمة منذ قيام الثورة»، وهل تغيير وزيرى الثقافة أو الآثار فى التعديل الأخير هو الذى سيحقق ما ذكره القيادى؟
3) اسأل أى مثقف فى مصر عن مَن هو وزير الثقافة الجديد السيد علاء عبدالعزيز إن كان يعرفه أحد.
4) أضاف التعديل وزيرين أحدهما إخوانى صريح وهو وزير التخطيط الجديد الدكتور عمر دراج وهو أستاذ فى الهندسة، والثانى هو وزير الاستثمار يحيى حامد خريج كلية الألسن، الذى أهله لمنصب الوزارة أنه كان ضمن فريق عمل الرئيس مرسى فى انتخابات الرئاسة ومتحدثاً باسم الحملة الانتخابية.
5) من البديهيات أن وزارة المالية على وجه الخصوص تحتاج إلى استقرار وزيرها حتى يتمكن من وضع سياسة مالية طويلة الأجل تُحقق الاستقرار الاقتصادى والمالى والنظم الضريبية، وما يعكس التخبط والارتباك أنه قد تم تغيير أربعة وزراء للمالية خلال سنتين فقط أحدهم لم يستمر إلا لعدة شهور، وأذُكر بأن الوزير السابق هو الذى أعد مشروع الموازنة العامة للدولة، فتم تغييره قبل الانتهاء من مناقشتها فى مجلس الشورى -مع رفضى لحق مجلس الشورى فى مناقشته الموازنة وفقاً لصريح نص المادة (116) من الدستور الحالى- فإن كان تغيير وزير المالية قبل مناقشة الموازنة التى أعدها لا يعكس تخبطاً وارتباكاً فماذا يعنى؟
6) إصرار النظام على استمرار وزيرى الأزمة وأعنى بهما وزيرى الإعلام والداخلية، فالأول يحظى برفض شعبى جارف لعدم قدرته على ضبط ألفاظه والفخر بأنه أول وزير مصرى تخرُج ضده المظاهرات «بالشباشب»، فضلاً عن سوء أدائه وإصراره على استفزاز الشعب والإعلاميين والصحفيين، أما وزير الداخلية فالرفض الشعبى له واضح سواء من القوى السياسية أو الثورية أو حتى من رجال الشرطة أنفسهم، فإذا كان الرئيس السابق مبارك قد أطلق مقولته الشهيرة فى البرلمان للمعارضة «خليهم يتسلوا»، فإن لسان حال النظام الحالى بما يفعله فى البلاد يقول للمعارضة «خليهم يتشلوا».
7) وما يثير الريبة فى التعديل الوزارى هو تعيين المستشار حاتم بجاتو وزيراً للدولة لشئون المجالس النيابية، أى المدافع الرسمى عن الحكومة أمام المجالس النيابية، فالرجل كان أميناً عاماً للجنة الانتخابات الرئاسية التى أدارت وأشرفت على انتخابات الرئاسة الماضية ومع إثارة موضوع تزوير هذه الانتخابات والتحقيقات تجرى حالياً بشأنها -أو هكذا يُفترض- يتم تعيين أحد أكبر الشهود على هذه العملية الانتخابية للرئاسة وزيراً فى الحكومة وليس أى وزير وإنما كما قلنا هو الوزير الذى تقع على عاتقه مهمة الدفاع عن الحكومة والنظام وسياستهما أمام المجالس النيابية هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى فإن المستشار حاتم بجاتو كان أحد أعمدة وزارة العدل فى العهد السابق وكان مساعداً لوزير العدل ممدوح مرعى، الوزير الوحيد الذى طلب مبارك الإبقاء عليه فى وزارة أحمد شفيق، وأُذكر بأنه كان رأس الحربة فى إسقاط عضوية النائب محمد أنور عصمت السادات فى برلمان 2005، وهو الذى كان يتصدى لهذا الأمر مع رفض المعارضة، ومعها الإخوان المسلمين، حيث كان محدداً لنظر وقف تنفيذ حكم الإفلاس -الذى بسببه أُسقطت عضوية النائب السادات- يوم واحد تالٍ لجلسة إسقاط العضوية، وبطبيعة الحال كان وراء هذا الاستعجال فى إسقاط عضوية السادات أمين تنظيم الحزب الوطنى وقتها أحمد عز، وكان لسان حال الحكومة ووزارة العدل وقتها المستشار حاتم بجاتو.
فهنا التعيين يُلقى بظلال كثيفة من الشك حول الغرض منه لكون الوزير الجديد كان أحد أركان النظام السابق من ناحية ولكونه أحد الشهود الأساسيين لقضية تزوير الانتخابات من ناحية أُخرى.
ونسأل فى النهاية هل كان هذا التعديل فعلاً من أجل مواجهة الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد وحلاً للمشاكل المتراكمة منذ قيام الثورة أم أن الغيبوبة مستمرة؟ أترك الإجابة لوعيكم السياسى ولضمائركم.