لم تكن مجرد كلمة «بروتوكولية» فى احتفال دينى لشركاء الوطن بقدر ما كانت «دعوة» تلقائية -لم تكن سابقة التخطيط- للأمة إلى إجراء استفتاء على سياسات الأهل والعشيرة ومندوبهم فى قصر الاتحادية الجمهورى وحكومتهم، وهو الاستفتاء الذى شارك فيه سياسيون وفنانون وإعلاميون ونخبة يمثلون أطياف المجتمع المختلفة.
لم تنجح «سيرة» سفير الجماعة إلى القصر الجمهورى، أو ذكر اسم رئيس وزرائه، التى تناولها البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية فى كلمته فى الاحتفال بـ«ليلة عيد القيامة» المجيد مساء السبت الماضى، فى كسر «الصمت» الذى لف القاعة الكبرى فى بطريركية العباسية، والذى يترجمه المثل الشعبى الدارج «ترمى الإبرة ترن» بينما اهتزت القاعة «تصفيقاً» عند ذكر اسم الإمام الأكبر شيخ الأزهر فضيلة الشيخ أحمد الطيب، والفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع، كما لو كان الإخوة الأقباط يعلنون نتيجة الاستفتاء على الرموز الأربعة «الرئاسة.. الوزارة.. الأزهر.. والقوات المسلحة».
على جانب الرئاسة، فقد كان الصمت أبلغ رد على تلك السياسات الخاصة بالأهل والعشيرة، التى اعتاد الرئيس «مرسى» على نقلها حرفياً صباح كل يوم من قدس الأقداس بالمقطم «مقر المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين» ليعلنها من داخل المقر الرئاسى فى محاولة من جانبه للإيحاء إلى الأمة بأنه صاحب القرار، غير أن الواقع يؤكد أنه دونه هو شخصياً فإن الجميع يعلم الحقيقة، وأنه مجرد «برفان» يتستر خلفه المرشد العام فى صورة تكاد تكون متطابقة للمشهد السينمائى الذى يبدو فيه أن «مخبر الشرطة» هو وحده الذى ينفرد بجهله بحقيقته من بين سكان المنطقة!
استعلاء.. تفرقة.. استقصاء.. استئصال.. فرز ما بين مع أو ضد.. تراجع فى كل وأى قرار.. الحنث بأغلظ الأيمان.. التستُّر على مرتكبى سلسلة الجرائم ضد شركاء الوطن، كل هذه العوامل هى التى أدت إلى نتيجة مساء السبت «الرفض بالصمت» الذى ساد قاعة البطريركية!
لأن الجميع يعلم مدى الفشل الذى يسبح فيه سكرتير الجماعة الدكتور هشام قنديل فى اتباع سياسة واضحة، ربما تؤدى إلى تحقيق جزء بسيط من أهداف الثورة على الرغم من تستُّره بلقب رئيس الوزراء.. ولأن الجميع يدرك حقيقة أن منصب رئيس وزراء مصر أكبر بكثير من قدرة وإمكانات الدكتور قنديل الذى بات بسياساته أشبه بـ«جاليفر» فى بلاد العمالقة.. ولأن سياسات الحكومة قد أدت إلى زيادة معاناة المواطن بدلاً من التخفيف منها، لم يحرك أىٌّ من الموجودين فى قاعة الاحتفال ساكناً عند ذكر اسم رئيس الوزراء!
على العكس تماماً جاء تجاوب الحضور مع مجرد ذكر اسم الإمام الأكبر فضيلة الشيخ أحمد الطيب فى تأكيد جديد من جانبهم لتلك العلاقة الخاصة التى تربط الأزهر بالكاتدرائية على مدى ما يقرب من 15 قرناً من الزمان والكنيسة بالمسجد الذى يعبر عن وسطية الإسلام والتسامح والمحبة وقبول الآخر.
التصفيق المتواصل لدى النطق باسم الإمام الأكبر جاء رفضاً لتلك المحاولات الساذجة لإقصائه عن موقعه من خلال اختلاق قصص عن محاولات «تسميم» أبنائه ارتكبها جناة لم تفصح التحقيقات عن مختلقيها حتى الآن.
ولأنها مؤسسة وطنية أعلنت انحيازها للشعب منذ اللحظة الأولى للثورة ولم تعرف «الحياد» من وقتها، جاء انفعال الحضور بالتصفيق الحاد عند ذكر اسم درع الوطن وممثله الفريق أول عبدالفتاح السيسى أملاً من جانبهم فى أن تلقى القوات المسلحة لهم بـ«طوق النجاة» وسط محيط هادر من الفشل «الإخوانى» غرقوا فيه وأغرقونا معهم!
لم أدرِ طوال كلمة البابا لماذا قفز إلى ذاكرتى عند النطق باسم «مرسى» و«قنديل» رائعة الراحل صلاح جاهين «الليلة الكبيرة»، خصوصاً المقطع الذى يقول «تصقيفة اُمّال.. تشجيعة اُمّال»؟!