الفاشية شعار المرحلة، وعنوان الحكم، وأسلوب التعامل، وهى فى النهاية ستكون السبيل إلى سقوط هذا النظام وتآكل هذه السلطة، لذلك قرأت بنهم ما كتبه د. قدرى حفنى، أستاذ علم النفس المرموق، فى مجلة الطليعة 21 الجديدة؛ كتب عن الشخصية الفاشية، يشرحها بقلمه الرشيق، ويشرّحها بمشرطه البتار، لا يهمنى كثيراً الأصل التاريخى واللغوى لكلمة الفاشية ولكن ما يهمنى حقاً هو هذه الرؤية السيكولوجية للشخصية التى لا تقبل الآخر وتصفه بأنه عميل مأجور أو ساذج جاهل وخارج على أصول الشرع والقانون ولا يمثل إلا أقلية ولن يتغير وشبه كل من معه فى التنظيم... إلى آخر هذه التصنيفات. يقدم د. قدرى حفنى مقياساً لأحادية الرؤية نابعاً من دراسة مصرية وهم مصرى كان يشغله مع فريق من الباحثين المهتمين بالإجابة عن سؤال مرض التعصب الذى صار وباءً حتى فى عقول بعض المثقفين! فيما يأتى بعض هذه الأبعاد التى تحدد الشخصية الفاشية وترسم ملامحها:
1- أحادية المدخلات: بمعنى أن الشخص الأحادى لا يرتضى إلا مصدراً واحداً يستقى منه المعلومات ويمثل إطاره المرجعى الوحيد حتى لو ثبت له وجاهة المصادر الأخرى.
2- الإطلاقية: الفاشى يدعى احتكار الحقيقة، بمعنى أن الذى له مدخل واحد لمصادر المعلومات يعتقد لدرجة اليقين أنه وحده الذى يمتلك الحقيقة كل الحقيقة.
3- التمامية: ويقصد بها د. قدرى أنه ما دام الشخص الأحادى الإطلاقى يدعى أنه يمتلك الحقيقة إذن فليس هناك داعٍ إلى تصحيح المسار لأنه لا يخطئ أبداً.
4- استبعاد الأحادى للمتعدد: الأحادى لا يطيق أن يخالفه أو يعارضه أحد فى الرأى، وإذا فعل أحد ذلك فإنه يقصيه؛ بداية من التجنب والإهمال وحتى التصفية الجسدية، ثم يلى ذلك رد فعل إقصاء المتعدد للأحادى.
يستعير د. قدرى مصطلحين من طب العيون للتعبير عن تلك الأحادية والفاشية؛ الأول: الجلوكوما، التى تؤدى إلى قصور زاوية الرؤية، أو ما نسميه نحن فى الطب tunnel vision يعنى باشوف الأمور وكأننى أشاهد من خلال نفق لن أشاهد ما هو خارجه عن يمين أو عن شمال أو فوق أو تحت، والمصطلح الثانى: ميوبيا، أى قصر النظر، فالفاشى لا يرى أبعد من أرنبة أنفه، ولن يشاهد أو يصنع مستقبلاً.
أظن أننا تجاوزنا تلك المراحل ودخلنا المرحلة التى لا عودة بعدها ولا علاج لها، وهى مرحلة العمى الكامل المصحوب بانفصال شبكى تام لا رجعة فيه مع ضمور العصب البصرى الناتج عن ضمور المخ!