عُقد يوم الاثنين مؤتمر صحفى عالمى لشرح ما سُمى بمشروع إقليم قناة السويس، واستفاض الحاضرون فى شرح مميزات هذا المشروع وكيف أنه سيحقق الرخاء الاقتصادى لمصر وسيعمل على تشغيل الملايين فضلاً عن تعظيم الدخل من قناة السويس، وأن هذا المشروع سيُنافس سنغافورة ودبى وهولندا. وبطبيعة الحال فقد أبهرنى هذا الحدث، وكأى مصرى يتمنى لبلاده الرفعة والرخاء والازدهار تحمست لهذا المشروع الواعد الذى يمكن اعتباره المشروع القومى لمصر، ولا يقل أهمية عن مشروع السد العالى.
ولما كان القانون المنظم لهذا المشروع هو الفيصل، وبحكم انتمائى لرجال القانون، فقد استحضرت مشروع القانون الذى أعلنته وزارة الإسكان ونُشر فى الصحف، لأتعرف على حقيقة هذا المشروع، لأن العبرة دائماً تكون بالنصوص المكتوبة أما الأحاديث الشفوية أو الوعود الوردية فقد شبعنا منها وعلمنا بالتجربة أنها لا تتحقق.
وبداية، فإن تسمية «الإقليم» لم تكن مريحة لى، وتعطى انطباعاً سيئاً مؤداه انفصال «الإقليم» عن الدولة، ولكن بقراءة نصوص القانون تأكد لى هذا المعنى، والدليل على ذلك ما يأتى:
1) نصت المادة الأولى من التعريفات على أن «إقليم قناة السويس» الذى يصدر بتحديده قرار من رئيس الجمهورية هو المقصود بكلمة إقليم. فإذا كان مفهوماً أن حدود المحافظات داخل الدولة يمكن تحديدها بقرارات جمهورية، حيث لا تختص أى محافظة بقانون خاص بها دون باقى المحافظات، فالجميع يخضع لسيادة الدولة والقانون، فلا ضير من اختصاص القرارات الإدارية بذلك، أما أن يختص جزء من الوطن بقوانين خاصة به دون باقى أجزاء الوطن، فهذا مبعث القلق، وقد تأكد هذا المعنى من باقى نصوص القانون كما سيرد لاحقاً.
2) فى تعريف الشركة المسجلة هى «الشركة المسجلة بالإقليم لمباشرة نشاط خاضع لقانون ولوائح الأقليم»، ويعنى هذا أن الشركات العاملة بالإقليم لا تخضع للقانون العام المطبق فى مصر بل تخضع لقانون ولوائح الأقليم.
3) يصدر رئيس الجمهورية منفرداً -مع ما فى هذا من خطورة- قراراً بتشكيل مجلس إدارة الهيئة العامة لتنمية الإقليم، التى سيكون لها، على ما سيأتى شرحه، كل السلطات داخل الإقليم، ويكون رئيس مجلس الإدارة بدرجة نائب رئيس وزراء، ويؤدى الجميع اليمين أمام رئيس الجمهورية.
4) يكون لرئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لتنمية إقليم قناة السويس جميع اختصاصات الوزراء، ورؤساء الهيئات العامة فى نطاق الإقليم، باستثناء وزارات الدفاع والداخلية والعدل، وهذا يعنى أن يمارس مجلس إدارة الهيئة داخل الإقليم جميع اختصاصات باقى الوزراء، فهل ستخضع مناهج المدارس -مثلاً- وإدارة المدارس والمعاهد بل والجامعات الواقعة فى هذا الإقليم لسلطات مجلس إدارة الهيئة؟ هذا ما سيتضح لاحقاً.
ويؤكد هذا المعنى ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة السابعة التى نصت على أنه «يجوز» لرئيس مجلس الإدارة دعوة ممثلى الوزارات عند بحث أحد الموضوعات التى تدخل فى اختصاصهم، فالأمر إذن جوازىّ وليس وجوبياً.
5) بالرغم من هذه السلطات الواسعة لمجلس إدارة هيئة تنمية الإقليم، فإنها لا تخضع لأى نوع من الرقابة إلا من رئيس الجمهورية الذى له وحده إعفاء رئيس مجلس إدارة الهيئة أو أى من أعضائها من مناصبهم، فإذا كان الوزراء الذين يصدر رئيس الجمهورية قراراً بتعيينهم يخضعون لرقابة البرلمان وللأجهزة الرقابية فهل يصح تحصين رئيس وأعضاء مجلس إدارة الهيئة من أى مساءلة؟
6) نصت المادة (13) من المشروع على أنه «تئول إلى الهيئة ملكية جميع الأراضى المملوكة للدولة والواقعة داخل قطاعات الإقليم، كما تئول للهيئة الحقوق والالتزامات المترتبة على العقود، والتصرفات الواردة على هذه الأراضى والمنشآت الكائنة عليها قبل العمل بهذا القانون.
ونصت المادة (14) على أن يكون لمجلس إدارة الهيئة فى سبيل مباشرة اختصاصاته جميع السلطات اللازمة لذلك، وبوجه خاص له تملك الأراضى والعقارات، بما فى ذلك نزع الملكية للمنفعة العامة وفقاً للقانون.
وهذه السلطات المطلقة تثير الريبة، فهل يملك القانون -أى قانون- أن يعطى لبعض الأفراد أو حتى لرئيس الجمهورية نفسه كل هذه السلطات؟ الإجابة بالنفى طبعاً، والقانون بهذه الأحكام الشاذة يكون عُرضة للحكم بعدم دستوريته.
7) نصت المادة (20) على أن يتولى مجلس إدارة الهيئة دون غيرها القيام بالآتى: «تنظيم أنشطة الشركات المسجلة ونشاط المستثمرين فى قطاعات الإقليم، وفقاً لقانون الهيئة والقواعد واللوائح المطبقة على إقليم جمهورية مصر العربية».
وهذا النص هو الدليل القاطع على فصل إقليم قناة السويس عن إقليم جمهورية مصر العربية، فقد جعل هذا النص من جمهورية مصر العربية إقليماً منفصلاً عن إقليم قناة السويس، وإن لم يكن كذلك فما تفسير عبارة «إقليم جمهوية مصر العربية»؟
ونصت الفقرة «ر» من ذات المادة على اختصاص مجلس إدارة الهيئة بوضع الشروط والمعايير الواجب توافرها لإصدار تراخيص إقامة المشروعات أو أى أنشطة أخرى بقطاعات الإقليم، أو لوقفها، أو إلغائها، «دون التقيد بأى شروط أو معايير فى أى قوانين أخرى»، وكذلك «وضع القواعد التنظيمية الخاصة بنظم العمل والتأمينات الاجتماعية، دون التقيد بأى قوانين أُخرى»، وكذلك «وضع نظم الشهر والتوثيق، دون التقيد بالقوانين والقرارات المنظمة للشهر والتوثيق»، وكذلك وضع النظم الخاصة بالسجل التجارى دون التقيد بأحكام قانون السجل التجارى، وكذلك إصدار قرارات تقسيم الأراضى وتراخيص البناء والهدم داخل قطاعات الإقليم، وكذلك إصدار تراخيص إنشاء المدارس والمعاهد ودور الحضانة والمستشفيات والمراكز العلمية والبحثية والطبية والثقافية والنوادى وغيرها من الأنشطة الثقافية والتعليمية والصحية والاجتماعية داخل قطاعات الإقليم.
فلم يتبقَّ إذن إلا أن تنشئ الهيئة القوات المسلحة والشرطة والمحاكم الخاصة بها.
ألا نخلص من جماع ما تقدم أن هناك فصلاً لما سموه «إقليم قناة السويس» عن «إقليم جمهورية مصر العربية» كما ورد صراحة فى المادة «20» فقرة «د»؟
وهل هذه مقدمة لتقسيم الدولة إلى إقليم الشمال وإقليم الوسط وإقليم الجنوب وإقليم النوبة وإقليم سيناء؟
انتبهوا أيها المصريون، فوطنكم يُعبث به وبوحدته وباستقراره.