اقتصاد البركة والرزق والسمسرة والعشوائية وغسيل مخ الناس بوهم المكافأة المقدسة على اختيارنا لمرسى أول رئيس ملتحٍ.. كل هذا ظهر جلياً فى حديث المرشد عن زيادة محصول القمح 6 أضعاف، بسبب البركة الإخوانية والرضا الربانى عمن اختار الإخوان، وظهر فى حديث الدكتور مرسى، وهو يقف فى وسط الغيط على المنصة، عن مستقبلنا فى القمح الذى سنغرق فيه ونصدره للحبايب والجيران! هذا المعنى الذى يلخص النمو الاقتصادى فى مفهوم البركة لا يصمد أمام المنطق، فهل البركة تحل بالصين البوذية والهند الهندوسية وإسرائيل اليهودية وترفع يدها عن الصومال المسلمة وأفغانستان المسلمة والسودان الشمالى المتأخون وفلسطين الحمساوية! كفانا ترويجاً لمفاهيم يعجز عن تصديقها الأطفال وتهدر أى جهد علمى محترم، بداية من مفهوم أن الملائكة هى التى ساندتنا فى حرب أكتوبر وجعلتنا ننتصر برغم أن نفس الملائكة لم تكن فى إجازة عند هزيمة 67! وانتهاء بأن زيادة القمح الوهمية هى مكافأة من السماء، لا بد أن نقتنع أن السماء لا تساند الكسالى ولا ترسل ملائكة لأى متخلف محنط الفكر.
وصلتنى رسالة من د. يحيى طراف تحمل ملاحظة طريفة من نوع الكوميديا السوداء، يقول د. طراف «جاء فى باب (فى مثل هذا اليوم) بأهرام ٥/١٥، أنه فى مثل هذا اليوم (٥/١٥) من عام ١٩٨٧ كانت وفاة الممثلة الأمريكية ريتا هيوارت، ومن عام ١٩٩٨ كانت وفاة الممثل والمغنى الأمريكى فرانك سيناترا، لكن الباب العريق العتيد لم يذكر أنه فى مثل هذا اليوم من عام ١٩٤٨ كانت وفاة فلسطين وإعلان قيام دولة إسرائيل على أرضها، وهو ما عرف فى تاريخنا المعاصر بالنكبة الكبرى!! ومن عجيب المفارقات أن «الأهرام» فى نفس هذا العدد الصادر يوم ٥/١٥ احتفت فى صفحتيها الرابعة والخامسة بتقرير «الممارسة الصحفية» الصادر عن المجلس الأعلى للصحافة، الذى انتهى إلى أن «الأهرام» هى أكثر الصحف المصرية على الإطلاق التزاماً بالمعايير المهنية والأخلاقية فى العمل الصحفى الذى تقدمه!! فكيف للأهرام، أعرق صحيفة فى مصر، وفى يوم تلقيها الإكليل من المجلس الأعلى للصحافة، أن تغفل عن التنويه عن أعظم الأحداث وأجلها قاطبة، زلزل منطقتنا وحياتنا منذ ١٩٤٨ حتى يومنا هذا، وإلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولا؟ لقد وسوس إلىَّ الشيطان أن «الأهرام» لم تنس ذكر مثل هذا الحدث الجلل والتنويه عنه فى ذكراه السنوية، فهذا ما لا ينبغى لها، ويجافى المنطق وطبائع الأشياء، إنما هى تعمدت ذلك فى سياق الخط الإخوانى العام الذى يحكم مصر اليوم. فالإخوان تعهدوا بالمحافظة على أمن إسرائيل، ولن يأتوا من الأعمال أو الأقوال أو الإشارات ما يسىء لإسرائيل أو لا تسيغه أو يكدر مزاجها، حتى لو كان التنديد بذكرى قيامها. كما أن قضية فلسطين كما كنا نعرفها انتهت ووُريت التراب بمباركة الأهل والعشيرة فى غزة، وأصبحت القضية اليوم هى توطين الحمساوية فى سيناء، وإنشاء دولتهم فيها بمساعدة النظام فى مصر، فعلام نكء الجراح؟