السينما: من «الغول» و«ضد الحكومة» إلى «مولانا»: «كلنا فاسدون»
مشهد من فيلم «ضد الحكومة»
«كلنا فاسدون.. لا أستثنى أحداً، حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة»، جملة صرخ بها النجم الراحل أحمد زكى فى آخر مشاهد فيلمه «ضد الحكومة»، ليؤكد بها أن شاشة السينما كانت دوماً قناة شرعية لمحاربة الفساد وتسليط الضوء على كافة أشكاله فى المجتمع المصرى، سواء كان فساداً مرتبطاً بالسياسيين الذين يستغلون سلطاتهم ونفوذهم لتمرير قضايا فساد والتستر عليها، أو فساداً أخلاقياً نال حظه من الانتشار بشكل يهدد القيم داخل المجتمع، وذلك منذ عهد نجيب الريحانى، الذى ناقش الفساد فى فيلم «أبوحلموس»، مروراً بـ«طيور الظلام»، و«ضد الحكومة»، و«السادة المرتشين» و«أهل القمة» وغيرها، وصولاً إلى «مولانا»، الذى يناقش فساد رجال الدين. لكن «الشاشة الفضية» تجاهلت ذلك النوع من الأفلام، خلال السنوات الماضية، لتستبدلها بأعمال تحقق الربح لمنتجيها، دون أن تركز على قضية فساد بعينها.
وحيد حامد وبشير الديك الأكثر إسهاماً فى مواجهة الظاهرة
أفلام النجم عادل إمام كان لها نصيب الأسد من تناول قضايا الفساد؛ بدءاً من فيلم «طيور الظلام»، الذى ناقش ألاعيب السياسة وبعض رجالها الذين لديهم القدرة على فعل أى شىء من أجل الوصول لمنصب سياسى والاقتراب من دائرة السلطة، قبل أن يأتى فيلم «الإرهاب والكباب» ليناقش الفوضى والفساد الإدارى المتفشى فى المصالح الحكومية وسوء أحوال المواطنين بفضل تجاهل كل مسئول لدوره، قبل أن يأتى فيلم «عمارة يعقوبيان» ليجسد انحلالاً امتد إلى معظم شرائح المجتمع.
«هى فوضى»، للفنان الراحل خالد صالح، كان من العلامات البارزة التى قدمتها السينما المصرية، حيث تناول نوعاً آخر من الفساد أصاب بعض أمناء الشرطة الذين سولت لهم أنفسهم تلقى الرشاوى ومص دم المواطنين من أجل أهوائهم، ليستكمل ذلك العمل السينمائى صورة رسّخها فيلم «واحد من الناس»، للفنان كريم عبدالعزيز، الذى عرض فساد رجال الأعمال المتصلين بالسلطة وقدرتهم على دهس غيرهم لنيل مرادهم فى النهاية.
يقول المخرج الكبير سمير سيف: «ناقشت الدراما المصرية الفساد بصورة واضحة من خلال الشاشات الصغيرة، وكان لكل فيلم شكل خاص فى طرح قضيته مع اختلاف شكل المعالجة، فدائماً نجد أن طرح موضوع الفساد متصل بمناخ الحرية السائد فى المجتمع، والمستوى الثقافى والحضارى للبلد». وأضاف: «بقدر المستطاع ناقشت فى أفلامى الفساد بصورة مباشرة، خاصة مع الكاتب الكبير وحيد حامد، فكانت تظهر المواضيع بشكل أكثر نضجاً، وتميزت بتحليل وتدقيق شديد، وفى الوقت ذاته يكون مغلفاً بقضية إنسانية حتى يعيش الموضوع مهما مرت السنوات ويظل حياً، حدث ذلك فى أكثر من فيلم؛ بدءاً من (الغول)، الذى مُنع من العرض بسبب وجود مشهد اعتبرته الرقابة إسقاطاً على حادث اغتيال (السادات)، وأصبح الفيلم قضية رأى عام وعُرض أكثر من مرة على رجال السياسة والصحافة، ولم يُجز إلا بعد عرضه على وزير الثقافة، وذلك بعد إجراء بعض التعديلات الطفيفة التى لم تؤثر فى الفيلم، وذلك مروراً بفيلمى (الراقصة والسياسى) و(معالى الوزير) اللذين ناقشا الفساد بصورة صريحة وواضحة».
«عبدالخالق»: «ظاظا» كان تحفيزاً لثورة 25 يناير ضد الفساد واستغلال النفوذ.. و«محرم»: «السادة المرتشون» تنبأ بقضية الأغذية الفاسدة.. و«قاسم»: لا توجد خطوط حمراء فى إثارة هذه القضية
وأشار الكاتب الكبير بشير الديك إلى أن «فيلم (ضد الحكومة) للنجم الكبير أحمد زكى وإخراج عاطف الطيب كان من أعظم الأفلام التى قدمتها على مدار تاريخى الفنى، حيث جاء موجهاً بشكل صريح ضد الفساد، ويشير إلى دولة فاسدة تقتل أطفالها الصغار، كما طالب بمحاسبة المسئولين ومعاقبتهم».
وأضاف «الديك» قائلاً: «ناقشت فى الفيلم الفساد بجرأة شديدة عندما قلت (البلد فيها فساد للرُكب)، فنحن نحتاج قدرة على الرؤية والتحليل حتى نخرج من الفيلم برسالة واضحة للجمهور، ففى عهد الرئيس السابق مبارك كانت لنا قدرة على مناقشة أى نوع من الفساد غير فساد مبارك وأسرته». وتابع القول: «فى تاريخ السينما المصرية كان يناقش الفساد بصورة واضحة، ولم يمنع من العرض أى أفلام من قديم الأزل سوى فيلم فى السبعينات يتحدث عن المراهقين، فالسينما طوال الوقت تتحدث عن مشاكل المجتمع المصرى، ولكن عندما نتحدث عن الفساد يجب أن نراعى ذلك الموضوع درامياً من زاوية التصوير والإخراج».
وأكد المخرج على عبدالخالق: «السينما تناولت الفساد بصور وأشكال مختلفة بعرض فساد المهن المختلفة على الشاشات، ولكن مع ضرورة وضع خطوط حمراء فى مناقشة القضايا، بينما كان هناك ابتعاد ملحوظ عن مناقشة الفساد فى الـ10 سنين الأخيرة، وذلك بسبب اعتماد المنتجين بشكل أساسى على الاستهلاك الجماهيرى أكثر من الفكرة، فضلاً عن وجود قيود رقابية من الجهات المختلفة».
وأضاف لـ«الوطن»: «عندما أخرجت فيلم (ظاظا) للفنان الكبير هانى رمزى عام 2006، كانت له رسالة قوية وواضحة وهى مناقشة فساد المجتمع، ووجهنا رسالة بشكل واضح أن نظامنا به عجز ولا بد أن يتغير، وأعتقد أنه كان بمثابة تحفيز لثورة 25 يناير التى ثارت على الفساد واستغلال النفوذ».
وقال الكاتب الكبير مصطفى محرم: «أفلام عادل إمام من أكثر الأفلام التى تناولت الفساد فى الدراما المصرية بجميع أشكاله سواء مجلس الشعب، أو كمواطن بسيط، أو رجل سياسة ودين، وغيره، فالسينما المصرية تستطيع أن تقول وتعبر عن مكنونها».
وأشار قائلاً: «كتبت أكثر من عمل يتناول الفساد سواء فى السلطة، أو المال، أو الرشاوى، مثل (عنبر الموت) و(حتى لا يطير الدخان)، فكل منها مكتوب بجرأة شديدة، دون خطوط حمراء، خاصة فيلم (السادة المرتشين) الذى تحدث عن مفاسد مجلس الشعب وتنبأ بقضية الأغذية الفاسدة، وأيضاً فيلما (أهل القمة) و(رحلة مشبوهة) اللذان عرضنا من خلالهما الفساد بشكل جرىء».
وقالت الناقدة ماجدة خير الله: كل ما يحدث فى المجتمع من انحرافات مختلفة ناقشتها السينما المصرية، ولكن فى الحقيقة عدد الأفلام المنتجة أصبح أقل بكثير، ولكن مجمل الأعمال التى ناقشت الفساد قدمته بصورة جيدة لأنها كانت تنقل الفساد مع مراعاة الإمتاع، ووجود عناصر التشويق المختلفة مثل (عمارة يعقوبيان) و(طيور الظلام)، و(نوارة). وطالبت «خير الله» بضرورة توجه صناع السينما المصرية فى الوقت الحالى لمناقشة فساد رجال الدين؛ لأنه يعتبر من أخطر أنواع الفساد، وقالت: «من المفترض أنهم فئة فى المجتمع تعمل على تنقية مشاعر الناس وتوجيههم للفعل الصحيح، وأظن ظهر ذلك بشكل واضح فى فيلم (مولانا) للفنان عمرو سعد».
وقال الناقد محمود قاسم: «الأفلام المصرية لم تعالج الفساد بشكل واضح ولكنها كانت مجرد إشارة واضحة بضرورة النظر إلى الفساد، فهناك أفلام كثيرة ناقشت الفساد فى المجتمع من أبرزها فيلم (أبوحلموس) لنجيب الريحانى، و(عمارة يعقوبيان)، وفترة ازدهار الأفلام تمثلت فى كتابات الكبير وحيد حامد، ومن أبرز الأفلام التى وجهت النظر إلى الفساد فى السينما، خاصة فى (الإرهاب والكباب) و(اللعب مع الكبار)، ومؤخراً فيلم (مولانا) المأخوذ عن رواية الكاتب إبراهيم عيسى، الذى ناقش أن البشر ليسوا معصومين من الخطأ وضرورة إعادة النظر فى رجل الدين».
وتابع القول: «مؤخراً، هناك ظهور واضح لأفلام تناولت فساد السياسة والدولة دون خطوط حمراء، وتمثل ذلك فى عهد حسنى مبارك، حيث كانت الرقابة تترك أى فيلم ينتقد أى شىء ما عدا الرئيس مثل (ديكتاتور) و(ظاظا)، و(خارج عن القانون) و(قاع المدينة)، لكن إجمالاً السينما وصلت فى مناقشة الفساد لأعلى مستوى، حتى ما يمس رئيس الجمهورية نفسه.