فى غفلة من «الزمن» تسلل إلى اهتماماتنا وأصبح محوراً لها.. اقتحم حياتنا و«نطح» ثوابتنا وقفز من فوق أسوارها وتوهم أنه قادر على فرض «واقعه» الجديد علينا دون أن يدرى أنه بفعلته هذه يكون قد أقدم على الانتحار فهو مهما فعل أو تجاوز سيظل فى النهاية «خروفاً» ستمتد يد «الجزار» إليه ذات يوم ممسكة بالسكين «لذبحه»!!
فى أحيان كثيرة يكون وديعاً.. مسالماً.. واثق الخطوة يمشى ملكاً.. تهتز الأرض تحت قدميه مع اهتزاز «ليته» كاهتزاز بندول ساعة الحائط.. دائماً يتوحد مع ذاته نتيجة سنوات «عزلته»، ومع ذلك فهو لا يعانى من مرض «الأوتيزم»، بل تراه يصطف مع أقرانه فى انتظار أى توجيه من الراعى باعتباره «المرشد» للطريق.. ولا يمنع الأمر من أنه فى ساعات غير قليلة يتحلق مع أقرانه فى دائرة تحسبها تجمعاً «للشورى» لمناقشة أمر مهم أو قضية ما، ولكنها فى حقيقة الأمر دائرة تتحلق حول «حزم البرسيم أو التبن».
فى بعض الأحيان يظهر من بين «الخرفان» من يتوهم فى نفسه أنه قيادى.. قوى الشخصية.. حاسم.. «حازم» ويحاول أن يقودهم فى طريق يختاره هو بنفسه فيسيرون خلفه ليكتشفوا فى النهاية أنه تركهم وحدهم وعاد ليختبئ داخل العشة، أو أن أحداً قد لوّح له بـ«حزمة برسيم» فذهب ليفوز بها وحده دون غيره من بقية «الخرفان»!!
فى أحيان أخرى يتوسم فى نفسه الحكمة والقدرة على التفكير والتصرف فيضع رأسه إلى جوار «خرفان» آخرين فربما يوهمون الناظر إليهم بأنهم يتدبرون أمرهم أو يتفكرون.. وفجأة وبلا أى مقدمات يتوهم أنه بات قوياً ويغتر «بقرنيه» فينطح بهما من يخالفه الرأى، أو أسوار «العشة» التى يعيش فيها فهو لا يعترف بحدود المكان فـ«الوطن» بالنسبة له أينما يكون «البرسيم» فلا أسوار.. ولا حدود!
ولأنه بات يخشى «التمرد» فقد لجأ إلى «التجرد» من مشاعر الاستكانة التى تسكنه ورفع صوته معتقداً أنه يرهب أعداءه دون أن يدرك أن كل ما يصدره من أصوات هى مجرد «مأة مأة» لا يستوعبها سوى غيره من الخرفان، وأن كل ما سيناله من ذلك هو الإعلان عن نفسه وفضح أمره فقط!
ابتسمت له الحياة «مؤقتاً» وعاش فى وهم أن هناك من اختاره قدوة له وأن يسير فى طريقه بعد أن اختار هذا الآخر أن «يستخرف» ويسعى للحاق بـ«القطيع» دون أن يعلم الأول أن الثانى يسعى ليكون من نصيبه بقايا «برسيم» أو «عليق» يسد بها نهمه..!!
مؤخراً بات الخروف «ملهماً» للشعراء وأصبحت تصرفاته بنياناً لقصيدة شعرية تلقيها طفلة فى حفل مدرسى.. أو موضوعاً لسؤال فى امتحان نهاية العام يصبح بعدها معده متهماً أمام «محاكم التفتيش» ويلقى به فى بركان التحقيقات الإدارية..!
حتى لو ابتسمت له الحياة.. أو غضب.. أو توهم القوة ونطح غيره.. أو عاد إلى طبيعته مستكيناً طامعاً فى حياة أطول تتجاوز «عيد الأضحى» سيظل كما هو «خروف» تنتظر رقبته «سكين الجزار» بعد «التكبير» فى فجر العيد الذى تؤكد الحسابات الفلكية اقتراب موعده!!