موجة تنظيم القاعدة التى شهدها العالم العربى والإسلامى والعالم كله بلغت اكتمال نهايتها بموت بن لادن العام الماضى، بعد مهاجمة قوات كوماندوز أمريكية لمنزله فى «أبوت آباد» قرب إسلام آباد.
أعطت شخصية بن لادن الرومانسية معنى لتنظيم القاعدة لم يستطع أيمن الظواهرى، خليفته، أن يمنحها له، كما أن أفكار التنظيم فى نهاية العقد الأخير من القرن الماضى نبتت فى سياق صراعى تجاه العالم الإسلامى أيقظه المحافظون الجدد الذين طبقوا نظرية «صراع الحضارات» و«نهاية التاريخ».
عسكرة التنظيم واعتباره أن العنف المسلح هو أداته الوحيدة فى تغيير العالم والضغط على سياسات الدول الكبرى قاداه إلى مخاطر وأخطاء جسيمة لعل أهمها هو التوجه بالعنف إلى مدنيين مسلمين فى العالم الإسلامى.
كشفت الوثائق التى نشرتها أجهزة المخابرات الأمريكية والتى وجدتها فى منزل بن لادن بعد القبض عليه عن أن بن لادن كان يشعر بالإحباط تجاه العمليات التى كان ينفذها أعضاء التنظيم ضد مدنيين فى العالم الإسلامى.
تعرض تنظيم القاعدة لقتل قادته الكبار على مدى عشر سنوات منذ أحداث 11/9، ولم يستطع التنظيم تعويضهم، خاصة المصريين منهم، وعلى رأسهم «أبوعبيدة البنشيرى» و«مصطفى أبو اليزيد».
الارتباك الذى واجهه تنظيم القاعدة بشأن التأرجح ما بين مواجهة العدو البعيد (الغرب وأمريكا) والعدو القريب، وهو النظم الاستبدادية فى العالم العربى والإسلامى، جعل قيادته المركزية، ممثلة فى بن لادن، تشعر بالإحباط تجاه فقدان التصور الاستراتيجى الواحد للتنظيم.
يصلح تنظيم القاعدة فى حالات المواجهة مع الخارج، وقد منحت سياسات المحافظين الجدد بالعدوان على العراق حياة جديدة لتنظيم القاعدة؛ فهو تنظيم ينهض ويعيش فى مناطق التوتر والحروب، لكنه لا يمكنه أن يستمر مع تغير تلك السياسات نحو التعايش والتسامح وبناء العلاقات على أسس من المصالح المشتركة، وهو ما ظهر إلى حد (ما) فى سياسات أوباما تجاه العالم العربى والإسلامى.
الثورات العربية قدمت بديلاً مختلفاً للتغيير، وهو ما جعل الإسلاميين يدخلون ضمن تلك المنظومة الجماهيرية بديلاً عن العنف والعسكرة والسلاح، ونلاحظ أن التيار الإسلامى ممن كانوا ضمن «القاعدة» قد عادوا إلى بلدانهم وانخرطوا فى نموذج التغيير الثورى السلمى فى مصر وليبيا ويؤسسون أحزاباً ويدخلون عالم السياسة من أوسع أبوابه.
لم يغب بن لادن، رغم عام من وفاته، عن جدل الانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ فبينما يعتبر أوباما قراره بقتله إنجازاً يراه خصومه الجمهوريون استخداماً دعائياً رخيصاً للحدث.