أظهرت نتائج الإعادة فى الانتخابات الرئاسية حصول المرشح د. محمد مرسى على ما يزيد على ثلاثة عشر مليون صوت وحصول المرشح الفريق أحمد شفيق على ما يزيد على اثنى عشر مليون صوت، فهل تعبر هذه الأصوات عن شعبية كل منهما فى الشارع المصرى، أو تعبر عن حجم المؤيدين لأيهما؟ بالطبع الإجابة بالنفى؛ فقد حصل كل منهما فى الجولة الأولى على خمسة ملايين صوت تقريباً لكل منهما، وهذا هو حجم التأييد الحقيقى فى الشارع لجماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفين معهم بالنسبة لأصوات الدكتور محمد مرسى، والأمر نفسه بالنسبة للأصوات التى حصل عليها الفريق أحمد شفيق؛ فهى تمثل غاية ما يمكن أن يحشده أنصار النظام السابق، سواء المنتمون للحزب الوطنى المنحل أو المتعاطفون مع النظام السابق.
فمن أين حصل كل من المرشحين على الأصوات الزائدة؟ كل من كان خائفاً من عودة النظام السابق ورموزه ووأد الثورة حتى لو كان يختلف مع، أو يكره، الإخوان أعطى صوته للدكتور محمد مرسى، ليس تأييداً له أو حباً فيه أو فى الجماعة ولكن خوفاً وكرهاً لمنطق عودة النظام السابق ورموزه إلى دائرة الحكم، بما يعنى انتهاء الثورة وضياع دماء الشهداء، وأصوات هولاء الخائفين هى التى أوصلت الدكتور مرسى إلى أبواب قصر الرئاسة وليست أصوات المؤيدين.
كذلك الأمر بالنسبة لملايين الأصوات التى حصل عليها الفريق أحمد شفيق الذى لم يكن يوماً سياسياً أو زعيماً أو حتى له باع فى العمل العام حتى يحصل على ما يزيد على اثنى عشر مليون صوت، بل إن كل من كان خائفاً من الإخوان وتنظيمهم وسيطرتهم على الحكم بما سيؤدى إلى تصادمات لا تنتهى وعدم استقرار لما ظهر عن الإخوان فى الشهور القليلة الماضية من الفهم والرغبة الجامحة فى الاستيلاء على كل السلطات والخوف من الإعداد لدولة دينية أعطى صوته كرهاً للفريق أحمد شفيق وليس حباً فيه أو تأييداً له.
وتعكس النتائج أيضاً أن الرئيس القادم سيكون مرفوضاً من ملايين المصريين الذين أدلوا بأصواتهم، فضلاً عن ملايين غيرهم التزموا الصمت وآثروا العزوف عن النزول للإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات، وهو ما يجعل شرعية الرئيس القادم على المحك، مما سيلقى عليه عبئاً كبيراً لكى يكتسب ثقة معظم المصريين ولا أقول جميعهم؛ حيث ثبت من النتائج أن الرافضين له، سواء ممن أدلوا بأصواتهم للفريق شفيق أو ممن لم يدلوا بها، أكثر ممن أعطوه أصواتهم.
والعبء الأكبر الذى ينتظر الرئيس القادم يتمثل فى إثبات حسن نواياه ومصداقيته التى لن تخفى على الشعب، وأولاها استرداد الثقة بالعمل الفعلى على الأرض وليس بمجرد الكلام المعسول بحسن اختياره لمعاونيه ولرئيس الوزراء والوزراء الذين يجب أن يكونوا من المنتمين لحب وخدمة الوطن وليسوا ممن ينتمون أو يعملون لصالح جماعة أو حزب، حتى لو كانوا من خارجهما؛ فالشعب هو الذى سيفرز ويُقيم ويحكم فى النهاية على الرئيس القادم الذى يجب أن يعلم أن معارضيه أكثر ممن أيدوه، فليعمل على طمأنة الجميع كى يكون جديرا بثقة الشعب فى الانتخابات المقبلة.
هل كان من الأفضل ألا يصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الإعلان الدستورى المكمل فلا يتمكن الرئيس المنتخب من حلف اليمين الدستورية التى هى شرط لا يمكن للرئيس أن يباشر مهام منصبه قبله وبعد فوزه ينتظر فى منزله حتى انتخاب مجلس الشعب الجديد لكى يقسم أمامه اليمين عملاً بالإعلان الدستورى قبل التعديل فى المادة 30 منه، ولن يكون ذلك إلا بعد مدة لا يعلمها إلا الله؟
وهل كان يمكن أن تكون البلاد دون سلطة تشريعية حتى ينتخب البرلمان الجديد، أم يضع السلطتين التنفيذية والتشريعية فى يد رئيس الجمهورية؟
ألم يكن حتمياً تنظيم هذه الأمور، أم نترك الوطن للفوضى؟