وكيل مطرانية شمال سيناء لـ«الوطن»: نعيش حرباً حقيقية.. والإرهابيون يستهدفون الأقباط لإحراج الدولة
عدد من الأسر المتضررة من الإرهاب فى العريش أثناء استعدادهم لاستقبال وزيرة التضامن الاجتماعى
أكد القس غبريال إبراهيم، وكيل مطرانية الأقباط الأرثوذكس فى شمال سيناء، فى حواره مع «الوطن» أن ما تشهده المحافظة هو حرب حقيقية، والحل الوحيد لإنقاذ الوضع هناك يتمثل فى نزول الجيش بكثافة إلى العريش وباقى مناطق شمال سيناء. وقال وكيل المطرانية الذى طلب عدم نشر صورته مع الحوار، إن استهداف الأقباط، تغير، مشيراً إلى أن الجماعات الإرهابية تسعى من وراء هذه الأحداث لإحراج الدولة وزعزعة الأمن فى البلاد، وإلى نص الحوار
«القس غبريال»: «المتغطى بالخارج عريان» واتهام الدولة بالتقصير مرفوض
■ كيف ترى التطور النوعى لعمليات الجماعات الإرهابية فى سيناء واستهدافها للأقباط؟
- الجماعات الإرهابية تسعى دائماً إلى تغيير طريقة تعاملها مع الدولة من حين لآخر، ففى البداية كانت عملياتهم تستهدف الجيش والشرطة بحكم أنهم كانوا مسلحين، ومعهم سيارات وأسلحة كبيرة، وخصوصاً فى أعقاب فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، وحينما تكبدوا خسائر كبيرة جداً، بسبب استهداف الجيش صفوفهم وأوكارهم، بدأوا يغيرون طريقتهم إلى الاغتيالات الفردية المتمثلة فى استهداف الضباط وأمناء الشرطة وأفراد الجيش والشرطة، وزرع المتفجرات فى طرق المدرعات والدبابات، وحينما سيطر الجيش والشرطة على هذا الموقف أكثر، لم يجدوا أمامهم سوى ما يعرف بـ«الذئاب المنفردة» الذين ينفذون عملياتهم الإرهابية، ويستهدفون الأشخاص، حيث يمتلكون عناوين وأرقام هواتف أمناء الشرطة، ويعدون لهم الأكمنة لقتلهم، وهو ما جعل الجيش والشرطة ينبّهون على رجالهم بالوجود فى نطاق الحدود الآمنة لمواجهة تلك العمليات فى شمال سيناء، ولم يبق أمام تلك الجماعات الإرهابية إلا استهداف الأقباط الذين يسكنون مناطق شمال سيناء منذ عشرينات القرن الماضى، لأنهم يرون فى استهدافهم إحراجاً للدولة، وزعزعة للأمن والاستقرار المجتمعى، وبدأوا مخططهم بالتعدى أولاً على الأقباط أصحاب المحلات، لأن عناوينهم المعروفة جعلتهم فريسة سهلة، وهو ما دفع الكثير منهم إلى إغلاق محالهم، فطورت الجماعات عملياتها إلى اقتحام منازلهم واستهدافهم داخلها خصوصاً الواقعة فى مناطق متطرفة بالعريش أو صحراوية، حيث تطرق العناصر الإرهابية أبواب المسيحيين، فإذا فتح صاحب المنزل قتلوه، وإلا كسروا عليه الأبواب، ودخلوا لقتله بالرصاص، والحادث الذى وقع الثلاثاء الماضى، اقتحموا فيه منزل أحد الأقباط المسنين، وقتلوه ونجله، ثم حرقوا المنزل بعد سرقته، وهناك حالة أخرى حيث اقتحموا المنزل وأطلقوا الرصاص على رأس صاحبه وتركوه قتيلاً.
90 أسرة غادرت العريش.. والأمن طالب الأقباط المقيمين على الأطراف والصحراء بالانتقال إلى المدينة .. ومَن يرِد الجهاد فليأتِ هنا ويجاهد
■ هل تواصلتم مع المسئولين أو هم تواصلوا معكم عقب تلك الأحداث الأخيرة؟
- نعم، تم التواصل ولكن للأسف، التواصل كان لتقديم واجب العزاء، وتركز على الجانب النفسى، ولكن فى الشق الأمنى هم قالوا لنا إن الأماكن المتطرفة عن العريش، والواقعة فى الظهير الصحراوى ليست تحت السيطرة الأمنية، وطالبوا الأسر الساكنة هناك بالتحرك والعيش فى المدينة، لكن ما لا تعلمه القيادات الأمنية، هو أن ما يجعل شخصاً يترك منزله ويعيش على الأطراف بعيداً عن المدينة، وهو يعلم أنه غير آمن، يجعله يغادر سيناء كلها، لأنه فى الحالتين سيهاجر سواء إلى المدينة أو خارج المحافظة، فمن أجبره على ترك منزله سيلاحقه مجدداً فى المدينة. وللعلم فالجماعات الإرهابية عندما تقتل قبطياً تسرقه، وتأخذ هاتفه المحمول المُسجل عليه أرقام هواتف أقاربه والعائلات القبطية الأخرى، ثم يرسلون تهديدات لهم بالرسائل والمكالمات لإجبارهم على ترك المحافظة، ومن خلال تلك الموبايلات وبطرقهم الخاصة، فإنهم يتمكنون من تحديد عناوين تلك الأسر واستهدافها.
■ هل هناك فعلاً مغادرة جماعية لأقباط العريش من مدينتهم؟
- بالطبع هناك مغادرة جماعية، فحتى الآن هناك تسعون أسرة قبطية غادرت العريش فى ظل الأحداث الأخيرة.
■ كم يبلغ عدد الأقباط الموجودين فى سيناء عموماً؟
- أعدادهم من 400 إلى 500 أسرة، وبعد الأحداث الأخيرة انخفضت لتتراوح ما بين 300 إلى 350 أسرة، فلا يوجد لدينا حصر دقيق حالياً، لأن هناك أسراً تترك المدينة دون إخطارنا، ولكن حينما تهدأ الأمور بالتأكيد سيكون هناك حصر شامل لمعرفة أين ذهبت الأسر، وأعداد المتبقين فى المحافظة.
■ هل تلك الأسر موجودة فى العريش فقط، أم منتشرة فى كل سيناء؟
- هناك أماكن فى سيناء لا يوجد بها أقباط، مثل رفح والشيخ زويد، ففى الأولى كانت هناك من 20 إلى 25 أسرة، غادرت المدينة بعد حرق كنيسة العائلة المقدسة فى 2011، والأقباط بشكل عام منتشرون فى كل مناطق سيناء الأخرى، مثل العريش والقنطرة.
■ كم عدد كنائس سيناء التى تخدم الأسر القبطية؟
- حالياً هناك 5 كنائس فى العريش، وواحدة فى منطقة دير العبد، بعد حرق وتدمير كنيسة العائلة المقدسة فى منطقة رفح.
الشرطة غير قادرة بمفردها على حمايتنا من الإرهابيين وأسلحتهم المتقدمة والثقيلة.. ولا بد من نزول الجيش بكثافة لأنه صمام الأمان
■ ماذا عن عمليات ترميم الكنائس المتضررة فى أحداث العنف التى تعرضت لها دور العبادة المسيحية خلال ثورتى 25 يناير و30 يونيو؟
- كنيسة العائلة المقدسة فى رفح لم يقترب منها أحد بعد تدميرها بالكامل فى 2011، وهناك كنيسة مارجرجس فى العريش تعرضت لأعمال عنف وتدمير عقب فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، وانتهت أعمال ترميمها وإعمارها بنسبة 80% حتى عيد الميلاد الماضى، لكن الأعمال توقفت بسبب الأحداث الأخيرة، حيث ترك العمال الموقع وغادروه خوفاً على حياتهم.
■ هل تزايدت مع تلك العمليات الإرهابية التهديدات التى يتلقاها أقباط المحافظة؟
- نعم، فنحن نتلقى يومياً سيلاً من التهديدات عبر المكالمات الهاتفية والمنشورات التى توزع فى الشوارع، فى وسط مدينة العريش، حيث ظل أفراد تلك الجماعات الإرهابية لساعات متواصلة وسط المدينة يوزعون منشورات، ولم يتحرك أحد لمطاردتهم.
■ هل هناك تراخٍ أمنى فى حماية أقباط العريش؟
- ليس تراخياً، فهناك فرق بين التراخى وعدم القدرة، فعدد رجال الشرطة قليل جداً فى العريش، خصوصاً بعد اتجاه الجيش ومعه الشرطة المدنية لمحاصرة الجماعات الإرهابية فى منطقة «جبل الحلال» وغيرها، ما أدى لانتشار الجماعات الإرهابية بشكل بشع حالياً فى العريش، فالشرطة لا تستطيع بإمكانياتها وتسليحها وأفرادها أن تسيطر على المدينة بمساحتها الكبيرة، لكن الجيش بصراحة هو صمام الأمان للبلد كلها، فمنذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن، استطاع أن يوقف الدولة على قدميها مرة أخرى، كما تصدت القوات المسلحة لمخطط الجماعات الإرهابية التى خططت للدخول من سيناء إلى القاهرة، والجيش إذا لم يتحرك مرة أخرى وينتشر بكثافة فى العريش ويحيط البلد بالمدرعات ويدخل للمدينة مرة أخرى على غرار ما فعله فى القاهرة من انتشار، فلن يوقف تهديد تلك الجماعات، لأن الشرطة لا تملك سوى الأسلحة الآلية فقط.
■ وما مطلبكم من الدولة؟
- نتمنى وجود الجيش داخل العريش إلى جانب الشرطة، فهما معاً يستطيعان السيطرة على الأوضاع وتشكيل منظومة متكاملة يشارك فيها الجيش بأسلحته وعتاده ورجاله، والشرطة بخبرتها فى أماكن انتشار الإرهابيين وقدرتها على التعامل مع المدنيين، فالمنطقة فى حالة حرب حقيقية بكل ما تعنيه الكلمة، ويطبق فيها حظر التجول وفرض الطوارئ، ما يستلزم معه وجود الجيش، لكن تسليح الجماعات الإرهابية عال جداً، وفيه صواريخ مضادة للطائرات وقنابل وأسلحة ثقيلة، فضلاً عن تلقى عناصرها تدريبات عسكرية على أعلى مستوى.
الإرهابيون يقتحمون منازل الأقباط لقتلهم.. ويسرقون الهواتف للحصول على أرقام أقاربهم ويتوعدونهم بالقتل إذا لم يغادروا
■ هل سبب استهداف الأقباط أنه ليس لهم ظهير شعبى من القبائل المنتشرة فى سيناء؟
- لا يمكن أن نقول ذلك، لأن الأقباط وأفراد القبائل يُقتلون معاً لأنهم متهمون بالتعاون مع الدولة، وقبائل سيناء محترمة وطول عمرنا نحن موجودون، مسلمين وأقباطاً، فى محبة، فكنيستنا هنا من عام 1929، وعلى مدار تلك الفترة لم نشهد تلك الجماعات الضالة، وجيراننا المسلمون فى كل حالة وفاة يأتون ليعزونا، كما يشاركوننا فى المناسبات دائماً.
■ كيف ترى تعامل مجلس النواب مع أحداث العريش؟
- لدينا لوم وعتاب كبير على مجلس النواب والأعضاء الذين انتخبناهم ليمثلونا، فيما آثروا الصمت، ولا نعرف أين بياناتهم وتحركاتهم تجاه ما يحدث للأقباط فى العريش، أليس الضحايا مواطنين مصريين، ولماذا لم نسمع صوت أحدهم يتحدث عما يجرى، ويطالب الدولة بحقوقنا، وتوفير الأمن لنا، فأنا مصرى، وليس لأحد دخلٌ بديانتى، وأريد التعامل على هذا الأساس، فكما خرجت فى الانتخابات لكى أنتخبه، على عضو البرلمان أن يتحرك ويبحث عن حقوق الناس ويطالب بها، إلا أننا لم نرَ أحداً منهم يرفع حتى سماعة التليفون، ليقول لنا: «البقية فى حياتكم».
■ هل تأثرت الخدمة الروحية المقدمة من الكنائس للأقباط فى سيناء بسبب الحرب على الإرهاب؟
- نوعاً ما، بسبب الأحدث التى تشهدها المحافظة، ونحن نحاول أن نطمئن الناس، ولكنّ هناك أموراً خارجة عن إرادتنا ولا نستطيع إجبار أحد على الحضور إلى الكنيسة فى ظل تلك الأوضاع، ومع ذلك فإن قداسات الصلاة مستمرة فى الكنائس، ونحن فى فترة الصوم الكبير، وهى فترة روحية كبيرة لدى الأقباط، وهناك تنسيق بين الكنائس وتبادل فى مواعيد القداسات، بحيث يبقى هناك تأمين للمصلين بشكل عام، ونخفف الضغط على الأمن فى عملية التأمين، فضلاً عن أن أعداد الأقباط فى سيناء قلت، لأنهم تركوا المحافظة، وبالتالى خف الضغط كثيراً.
■ وهل تحظى الكنائس فى سيناء بتأمين جيد؟
- نعم بالفعل، فهناك تأمين وحراسات مشددة على الكنائس منذ سنوات، وهى ثابتة، وحينما يحتاج الأمر إلى الدفع بتعزيزات أمنية بين فترة وأخرى يحدث ذلك، فضلاً عن وجود كاميرات مراقبة على أسوارها ترصد الحالة العامة فى المنطقة المحيطة بالكنائس، ولكن الأمر حالياً ليس فى الهجوم على الكنائس، وإنما فى استهداف الأفراد والأسر القبطية فى منازلهم.
■ كيف ترى الاجتماع الأمنى الذى ترأسه الرئيس عبدالفتاح السيسى، الخميس الماضى، وما صدر عنه من تصريحات خاصة باستهداف المدنيين والمساس بالنسيج الوطنى للمجتمع؟
- فى الحقيقة لم أطلع عليه، وإن كنت استمعت لما خرج به الاجتماع، وأتمنى بعد هذا اللقاء ترجمة حقيقية على أرض الواقع لما خرج به اللقاء، فبصراحة الكلام جميل و«حلو جداً»، لكننا نريد فعلاً، والحل أن ينزل الجيش مرة أخرى ويوجد بكثافة فى شوارع شمال سيناء، وهذا هو المطلب الوحيد الذى سينقذنا من الوضع الذى نعانيه، وأتمنى أن يصل هذا الكلام إلى الرئاسة والمسئولين، فالجيش والشرطة هما صماما الأمن فى الدولة.
■ بصفتك وكيل مطرانية شمال سيناء، كيف ترى المطالب بتصعيد أحداث العريش دولياً؟ والتظاهر ضد الدولة أمام المؤسسات الخارجية مثل البيت الأبيض؟
- على الموجودين فى الخارج ممن لا يفعلون شيئاً غير الكلام، أن يأتوا أولاً ويجلسوا معنا، ثم ليفعلوا ما يفعلونه، فكما يقول المثل «اللى على الشط عوّيم، واللى كابش النار مش زى اللى إيده فى الميه»، على من يريد أن يصعد أن يمسك النار معنا ويخرج ليقول ما يقوله، و«بلاش نهلل» من الخارج، ونتهم الدولة بأنها مقصرة فى حماية الأقباط، فى حين أن البلد فى حالة حرب حقيقية، تستوجب منا الوقوف إلى جوارها، وأن نتحمل، ونحن كأقباط حينما حرقت كنائسنا ودمرت تحملنا، وحينما قتل منا العشرات، واستشهدوا احتملنا، فنحن نتعاون مع الدولة ولا نضغط عليها، لأننا فى مركب واحد، لا نريد أن نصطدم ببعض، وإنما نساند بعضنا بعضاً، ونعمل لتفويت الفرصة على هؤلاء المجرمين الذين يسعون لإسقاط الدولة والشماتة فيها، كما أن أعمال القتل والاستهداف ليست مقصورة على الأقباط فقط، فكل يوم يُقتل من رجال الشرطة والجيش بسبب الإرهاب وبين قتلى الجيش والشرطة جرجس، ومحمد، قبطى ومسلم، هم جنود فى جيش البلاد وشرطته، ومن يتحدثون عن الخارج وماذا سيفعله الخارج، أقول لهم إنه لا أحد يحميك إلا من هم فى جوارك، فجارك هو الأقرب إليك فى أثناء الخطر من أولادك الموجودين فى الخارج، فـ«المتغطى بالخارج عريان»، فماذا فعلت أمريكا، حينما كانته تريد أن تسقط الدولة، من يرِد أن يجاهد، فليأتِ، ليجاهد معنا هنا فى مصر، وفى النهاية أنا لا أؤيد تلك الدعوات، ولا يوجد من يؤيدها بين الأقباط الوطنيين.