«مصر والسودان لنا وإنجلترا إن أمكنَ.. عاش الملك فاروق ملك مصر والسودان».. الذين أدركوا العصر الملكى أو قرأوا عنه، يعرفون هذه العبارات جيداً، بسبب كثرة ترددها على ألسنة المصريين قبل القضاء على الملكية فى يوليو 1952. وقد ظلت «مصر والسوادان لنا»، طيلة فترة حكم الرئيس محمد نجيب، وقد كان سوادنى الأصل، وكان شريكاً للنظام الملكى فى فكرة أن مصر لا بد أن تكون مسيطرة على الأرض التى يصب فيها ماء النيل، وأن يكون صانع القرار المصرى على مقربة من دول المنبع، وقادراً على ضمان استمرار تدفق الماء داخل هذا الشريان الحيوى للمصريين: «نهر النيل».
اختلف الأمر بعد ذلك عندما تولى حكم مصر الرئيس جمال عبدالناصر عام 1954، حين غلبت الفكرة المسيطرة على رأس الحاكم على المصالح العليا للبلاد. فقد رأى «عبدالناصر» أن يمنح السودان استقلالها الذاتى عن مصر، لأنه ليس من المنطقى وهو الرجل الذى يدافع عن استقلال وحرية الشعوب، أن يرضى بأن تستعمر بلاده دولة أخرى، وقد حاول الرئيس «السادات» بعد ذلك خلق دولة وحدة بين مصر والسودان، خصوصاً فى ظل التهديدات الإثيوبية ببناء مجموعة من السدود تضر بالأمن المائى المصرى، لكنه فشل فى ذلك، أما «المخلوع» فقد قطع أشواطاً أكبر فى إهمال السودان، حتى أدى الأمر إلى تقسيمها إلى دولتين: شمالية وجنوبية فى 9 يناير 2011، لتقوم بعدها بأيام ثورة 25 يناير!
ذهب «المخلوع» وجاء «الملخلخ»، واعتلى الدكتور «مرسى» سدة الرئاسة، وساعتها لم تجد إثيوبيا بداً من انتهاز فرصة وجود حاكم ضعيف على رأس الدولة المصرية، فكان أن أقدمت على تغيير مجرى النيل الأزرق، وبدأت فى بناء سد النهضة الذى أجمع الخبراء على تأثيراته السلبية على حصة مصر من الماء، وتبوير الأرض الزراعية، وخفض إنتاجنا من الكهرباء. والواضح أن التفاوض لن يجدى مع حكومة إثيوبيا التى باتت أكثر عزما وتصميما على بناء السد، خصوصا أنها تعلم أن مرسى وإخوانه يرفضون الحل العسكرى فى مواجهة هذه الأزمة المزلزلة، وبالتالى فهى مطمئنة أشد الاطمئنان إلى تمرير المشروع وأن مرسى لن يفعل شيئا غير الاستسلام، قد يكون لديها حق فى ذلك، لكن ما لا يفهمه الإثيوبيون والإخوان و«مرسى» أن نهاية هذا الهزل قد أصبحت وشيكة، وأن الأمور سوف تعود إلى نصابها طوعا أو كرها، وأن هذا الشعب سيحسم الأمر لصالحه فى النهاية. لقد قامت ثورة 25 يناير 2011 بعد أيام من انفصال جنوب السودان عن شماله، وقد تلقى النيل ضربة أكثر إيلاماً على يد إثيوبيا 2013، والرد عليها وعلى من ضربوا صفحاً عنها آت لا محالة، فجزء من عبقرية «النيل» ترتبط بقدرته على إغراق من لا يصونه، والذى أغرق «المخلوع»، سيكون أقدر على ابتلاع «مرسى»!