فى 20 يناير الماضى، تولى الرئيس دونالد جون ترامب رسمياً رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وسط أجواء احتفالية مبهرة واحتجاجات صاخبة فى واشنطن العاصمة وعدد من المدن الكبرى فى أمريكا والمملكة المتحدة وكندا والمكسيك وفلسطين وغيرها.. وفى أقل من شهر أصدر الرئيس ترامب عشرات القوانين والقرارات الإجرائية التى ألغت الكثير مما سبقها من قوانين وإجراءات تخص الداخل الأمريكى وحلفاء أمريكا وأعداءها وموازين القوى فى مناطق الصراع فى العالم.. ومع كل قرار بل و«تويتة» للرئيس ترامب تحدث ردود فعل ضخمة فى العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.
والمؤكد أن الرئيس الـ45 لأقوى دولة فى العالم قد جاء فى ظرف تاريخى شديد التعقيد.. تتداعى فيه الثوابت المستقرة طوال القرن الماضى وتتحلل دول وتتغير استراتيجيات وتتصادم المصالح بين حلفاء الأمس وتنمو أشكال جديدة لمفهوم السيطرة والتأثير للفعل الشعبى ليصبح أقوى من المؤسسات والنخب والأحزاب وآليات السيطرة المعروفة فى عالم الأمس.
ومع استمرار الاعتراضات الصاخبة وتحركات المعارضة الأمريكية المنظمة فى عدة ولايات أمريكية.. تشير استطلاعات الرأى داخل أمريكا وخارجها إلى أن الرئيس دونالد ترامب يختلف عن كل رؤساء أمريكا السابقين، لأنه يمتلك السلطة والثروة وشجاعة التحدى والاندفاع بلا خبرات منقولة أو التزامات سابقة، وهو ما لم نره فى الرؤساء السابقين الذين لم يمتلك معظمهم الثروة وغالبيتهم تربوا وجاءوا من تنظيمات مؤسسية حزبية أو عسكرية ملتزمة بتوجهات علنية ثابتة، وكان من السهل توقع تصرفاتهم.. ومعروف أن الجمهوريين أكثر حدة وحسماً وسرعة فى اتخاذ القرارات من الديمقراطيين.. وهم لا يقبلون بأنصاف الحلول.. ولكن حالة الاندفاع «الترامبى» تزعج الجميع مؤيدين ومعارضين.. فإلى أين نسير؟
نرى أن الحالة الشعبوية التى جاءت بالجمهوريين للرئاسة والأغلبية فى مجلسى الشيوخ والنواب ستفرض عليهم بصفة عاجلة تعديل سياساته الداخلية واستخدام قرارات متوازنة داخل أمريكا تحت ضغط الجماهير المتوترة من تداعى الثوابت من المبادئ والقوانين التى تمس الحريات وحقوق الإنسان التى بنيت عليها بلاد العم سام وصنعت مجدها، وفى مقدمتها حريات المهاجرين والعمل والضرائب والرعاية الإنسانية واحترام القانون والاستقرار والسلام الاجتماعى للمواطن الأمريكى، وهى حزمة متكاملة فى بنائية المجتمع الأمريكى ستفرض نفسها بقوة على الجميع.
أما السياسات الخارجية لترامب، وبخاصة تجاه دول العرب والشرق الأوسط، فنرى أنها ستتوتر إلى مستويات غير مسبوقة على المدى القريب وستكون صادمة ولن يعوقها الإرث التقليدى من العلاقات السابقة بين أمريكا ودول كثيرة، أبرزها دول الخليج العربى والصين وكندا والمكسيك وألمانيا وفرنسا واليابان وروسيا وغيرها.. وسيغذى الصراع تنامى التنافس العدائى المحموم بين الماسون والتنويريين ليطال كل قيادات وتنظيمات ورأسماليات العالم، وسيؤدى إلى تغيير قيادات كثيرة وما يحدث فى أوروبا وآسيا وأفريقيا من تحولات جذرية فى مواقف القادة يدلنا بوضوح على ذلك..
وإن كنا نرى أن تنامى القوة الشعبوية ستقف بقوة أمام سيناريوهات السيطرة على العالم من أى من الطرفين المتنافسين، وستلعب الحالة الشعبوية المتنامية دوراً حاسماً فى سياسات كل قيادات العالم فى إطار مزيد من الضغط الشعبى الكونى الرافض لانتهاك حقوق الإنسان والفقر والاستغلال وهو ما يفرض على صُناع السياسة فى الدول العظمى وفى الدول الأضعف بالعالم الاستعداد بسيناريوهات مدروسة لاحتواء الاندفاع الذى يعود الآن بنا إلى أجواء ما قبل الحرب العالمية الثانية.. ويجب أن يحرص الجميع على احتواء الصدمات المقبلة ودعم السلام الدولى عبر الأطر القانونية العالمية وباستخدام تأثير الشعوب سياسياً وإعلامياً وإنسانياً، لأن استخدام القوة العسكرية فى أتون حالة عالمية متوترة سيؤدى إلى صراع مدمر للبشرية.
لقد أصبحت الشعوب المتواصلة عبر وسائل الاتصال الحديثة تلعب دوراً رئيسياً فى إدارة العالم ولم تعد الغرف المغلقة والموائد السرية والنخب والتنظيمات الخفية هى وحدها المتحكمة فى البشر.. ومع الرئيس الشعبوى لأقوى دولة فى العالم يعود التأثير الشعبوى الذى يجب أن يتطور إعلامياً ليشارك بقوة فى كل سيناريوهات المستقبل.. ندعو الله بالخير للبشرية.. والله غالب.