فى رواية (المرايا).. شبه السيرة الذاتية الرائعة التى كتبها (نجيب محفوظ).. وردت عبارة على لسان إحدى الشخصيات تقول إن: (المرأة المصرية كفيلة إذا ما أعطيت حريتها.. أن تسعد هذا الشعب البائس المسكين).. !!
وردت العبارة على لسان زير نساء ذاق منهن صنوفاً.. وردت بشكل يسخر بمرارة من طبيعة المرأة المصرية.. ومن القيود المفروضة عليها.. ومن تعاسة الشعب المصرى المزمنة.. ولكنها يمكن أن تكون مدخلاً جديداً للتفكير فى انتشار ظاهرة التحرش الجنسى.. وفى المبادرات الإلكترونية التى تم إطلاقها مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعى خاصة (الفيسبوك) مثل مبادرة (امسك متحرش) وغيرها.
المدخل الجديد لا يأخذ فقط بعين الاعتبار مفهوم (احتقار المرأة) الشائع فى الثقافة العربية الإسلامية.. ولكن يضيف له مفهوماً يكمله ألا وهو (الخوف من المرأة).. صانعاً ثنائية أظنها تفسر انتشار الظاهرة فى المجتمع المصرى مقارنة بالمجتمعات الأخرى.
لا أقلل بالطبع من الأوضاع اليائسة فى المجتمع الممثلة فى الفقر والبطالة وتأخر سن الزواج والعنوسة وزيادة ثقافة العنف .. وافتقاد الإحساس بالعدل والكرامة الإنسانية لدى الشباب الذى يدفعهم لإحالة متوالية القهر إلى الطرف الأضعف فى المجتمع وهو المرأة .. ولكن هناك - بجانب ذلك - ما يشى بأن الثقافة العربية الإسلامية أيضا تلعب دوراً أساسياً .. وأريد بالثقافة هنا مجموع الممارسات المجتمعية المتراكمة عبر التاريخ .. التى تجعلنا نخبر بأشياء وقضايا لا نجد مثيلاتها فى مجتمعات أخرى .. وخذ مثلاً الفتوى المقززة الخاصة بمضاجعة الرجل لزوجته بعد موتها التى شغلت نواب البرلمان .. وأغلبهم كما تعرف من الإسلاميين .. !!
أولى الظواهر التى تعبر عن ثنائية الاحتقار/الخوف من الأنوثة أو من المرأة هى ممارسة السبى التى كانت رائجة فى جاهلية العرب وكانت امتيازاً كبيراً تحرص القبائل على حيازته وإنجازه.. فالسبى دليل على فحولة القبيلة وعنوان على فروسيتها وإقدامها.. وهى عندما تتطلع إلى القيام بالغزو فإنها تجعل من سبى نساء المغزوين دليلاً على معاظمة رساميلها الذكورية التى لا تتحقق إلا بانتهاك الآخر وتهديد فضائه وأمنه والنيل من نسائه.. ولمّا كانت المجتمعات العربية الحالية لا تجد الآخر الذى تفرغ فيه هذه الممارسة فقد ارتدت فى ذلك على نفسها.
وثانية الظواهر هى الهيمنة الذكورية فى المجتمعات العربية والتى تزكيها أساليب التربية والإعلام.. وما هى إلا وهم يعيشه الرجل المهمش اجتماعياً والمقهور اقتصادياً.. تصبح النظرة الشبقية للمرأة وتقزيمها فى المحدد الجنسى باعتبارها موضوع اللذة الذكورية ما هى فى العمق سوى تعبير مقنع عن حالات التيه والفقر والمعاناة الاجتماعية.. وهو أمر له تاريخه الثقافى العربى فى السلطة الإقطاعية القاهرة.. والتفاوت الطبقى.. وغلق باب الاجتهاد لإنتاج الأفكار.. وهو ما صب فى التمحور حول الجسد وتحديداً اعتبار الجسد الأنثوى موضوعاً ثرياً لإبراز الفعل المنعدم فى المجتمع.
يقابل ذلك خوف من القوى الجنسية للمرأة الذى يمتزج فيه النص الدينى من قرآن وسنة (كيدهن عظيم - ناقصات عقل ودين - حبائل الشيطان) بالحكايات التراثية عن قوتهن فى الجماع وشبقهن الذى لا يرتوى له ظمأ.. فيجىء القهر والعنف والتحرش مثل آليات الدفاع النفسية.. أو كضربات استباقية لجنس «غادر ونمرود».. ويتعاظم ذلك فى حالة المرأة المصرية الذى يطفح التراث بالتحيز ضدها .. فتم وصفها بأن لُعَبْ (مُلعب أو لعبية بالعامية).. للأسف.. هذه بعض ثقافتنا!!