عاد الحديث مجدداً عن «أقباط المهجر» بمدلولات سلبية من خلال خشية إقدام عناصر من بينهم على تنظيم تظاهرات أو القيام بفعاليات احتجاجية إبان الزيارة الرسمية المتوقع أن يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسى للولايات المتحدة الأمريكية فى غضون الأسابيع القليلة المقبلة. وبدأ بعض الإعلاميين شن حملة مبكرة على «أقباط المهجر» واتهامهم بالعمل ضد مصلحة الوطن.
وهنا لا بد من تفكيك هذه القضية والتعامل معها بعقلانية شديدة، ونقول بداية إننا عندما نتحدث عن أقباط المهجر فنحن نتحدث عن نحو مليونى مصرى غالبيتهم الساحقة تعشق تراب الوطن وعلى تواصل دائم مع الأهل فى مصر ومنهم من يزور مصر بشكل منتظم. قلوبهم معلقة بالوطن وتتابع أخباره أولاً بأول، الغالبية الساحقة من أقباط المهجر تعمل ليل نهار من أجل تحقيق الذات وتأمين مستقبل الأبناء فى مجتمعات سريعة الإيقاع. على مدار العقود الماضية برزت فئة من بينهم أطلقت على نفسها مسميات مختلفة وحددت هدفها بالدفاع عن حقوق الأقباط فى الوطن ومخاطبة الحكومات الغربية من أجل الضغط على الحكومة المصرية. وساعد على انتشار هذه الفئة سياسة البابا شنودة الثالث التى كانت تعتمد على انفراد الكنيسة بإدارة شئون الأقباط وتمثيلها لهم أمام الدولة، والعمل على تهميش النخبة القبطية المدنية، ومن ثم بدت فئة نشطاء أقباط المهجر هى الفئة الوحيدة المدنية التى تتحدث باسم الأقباط وتدافع عن قضاياهم وتتحدث باسمهم، هذه الفئة كانت تستغل الأحداث الدينية والطائفية التى تقع فى مصر للترويج لفكرة «اضطهاد الأقباط» وتعرضهم لاعتداءات طائفية. انزعجت الحكومات المصرية المتعاقبة من هذه الأنشطة ومن ثم بدأت فى الاهتمام بهؤلاء النشطاء وسعت إلى استقطابهم بشتى الطرق بما فى ذلك الإغراءات المالية والمادية، وقد أدى هذا التوجه إلى انتشار ظاهرة النشطاء وحالة من السباق بينهم على نيل رضاء الحكومة المصرية والأجهزة الأمنية وتم شراء عدد كبير منهم إلى أن قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، وبدأ دور النخبة المدنية القبطية فى البروز، حيث نشطت قطاعات من شباب الأقباط ومن النخبة المدنية وبدأت تتبنى قضايا الأقباط وتدافع عنهم من أرضية وطنية خالصة، هنا اختفى تماماً دور نشطاء أقباط المهجر، فلم يعد لهم مكان فى وطن يناقش كافة القضايا بين قواه المختلفة. ونظراً لحساسية أقباط المهجر تجاه قضايا الوطن فقد كانوا يتابعون ما يجرى فى الوطن ليل نهار وتحركوا بقوة ضد حكم المرشد والجماعة وساندوا بكل قوة ثورة الثلاثين من يونيو، واستقبلوا بكل ترحاب الرئيس عبدالفتاح السيسى فى زياراته المتكررة لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى شهر سبتمبر من كل عام.
مؤخراً وعلى أثر وقوع عدد من الوقائع الطائفية مثل قضية أطفال بنى مزار، سيدة الكرم، التضييق على بعض الكنائس، لا سيما فى صعيد مصر وتحديداً فى محافظة المنيا، الاعتداءات على أقباط العريش من قبَل الجماعات الإرهابية وفرار الأسر القبطية.. كل ذلك سبب قدراً من القلق لدى أقباط المهجر، الأمر الذى دفع عدداً من النشطاء، الذين خفت صوتهم تماماً على مدار السنوات الخمس الماضية، إلى معاودة النشاط والحديث مجدداً عن «قضايا الأقباط فى مصر» ومحاولة العمل فى صفوف أقباط المهجر ودفعهم إلى ترتيب مظاهرات ضد الرئيس إبان زيارته المرتقبة لواشنطن أو عدم الخروج للترحيب به. التعامل مع هذه القضية لا بد أن يتسم بالعقلانية وبمحاولة عزل هؤلاء النشطاء والحفاظ على علاقة جيدة مع الغالبية الساحقة من أقباط المهجر باعتبارهم مواطنين مصريين محبين لوطنهم غيورين عليه، وذلك عبر التواصل معهم من قبَل الدولة المصرية والشرح أولاً بأول لكل ما يجرى على أرض الوطن.