يقول الأستاذ عاكف فى معرض نفيه التكفير عند سيد قطب: «والحق أن قطب على خلق قويم، وله أدبيات مبدعة..»، وهذا أول خطأ منهجى وقع فيه الأستاذ عاكف كما وقع فيه غيره، حيث الخلط بين أمور ينبغى التفرقة بينها، وفى العلم يقولون: «العلم جمع وفرق»؛ جمع ما يُظن أنه مفترق، وتفريق ما يظن أنه مجتمع، لأن الخلط يعمى ويصم، ويمثل حجاباً على حساب الحقيقة المجردة.
إن هناك من انتقد قطب ورأى أنه خارق للإجماع وتكفيرى ومتشدد ومغرر بالناس باسم الدين، كتب فى مثل هذا: أنور الجندى فى «جوهر الإسلام»، وعبدالعزيز سيد الأهل فى «ويل لأقماع القول»، ومحمود الهجرسى فى «العدوان تحت ستار الدين»، والقرضاوى والنمنم وحسام تمام وحافظ دياب وإبراهيم الهضيبى ومعتز الخطيب وغيرهم، وبعض هذه الكتابات منصف محايد.
وهناك من وصفه بـ«داعية الأمة والعالم الربانى ووحيد عصره»، كتب فى هذا: العشماوى سليمان فى «قطب: العالم الربانى»، ويوسف العظم فى «قطب: رائد الفكر المعاصر»، وزينب الغزالى فى «أيام من حياتى». ويرى الرئيس محمد مرسى أن قطب هو الإسلام، كما لا يراه د. عبدالرحمن البر إلا مدافعاً عن محاولة تمييع القيم والمفاهيم الإسلامية.
جاء التعصب من عاكف وإخوانه للخلط الآتى:
1ــ الخلط بين أخلاق قطب وفكرته، فقد كان قطب شجاعاً صادقاً تقياً، غير باحث عن شهرة أو مال أو منصب، مخلصاً غير عابئ بما يقال فى حقه، لكن لا يجوز الحكم على ما كتبه من خلال أخلاقياته، والنظر إلى نقد كتاباته على أنها تنقيص من شخصه يعد تعصباً منبوذاً، بل الانتقاص الحقيقى منه يكون بالزعم بأنه لم يكفّر كما قال عاكف ومرسى والبر، أو بتبنى سننه فى التكفير كما فعل شكرى مصطفى والقطبيون.
2ــ الخلط بين صحة الفكرة وتضحية أصحابها من أجلها، وتعاطفهم مع الضحية، لأن أفكار الموتى تتقدس وتتغذى من هذا، ذلك أن قطب قُتل بطريقة إجرامية بشعة تتنافى مع أدون مبادئ الإنسانية والعدل والرحمة، فكان أن تعاطف البعض مع سيرته البطولية، ومثلت طريقة قتله حجاباً أعماهم عن رؤية ما فى أفكاره من خلل.
3ــ الخلط بين قطب الأديب وقطب الفقيه، فبعض المتحمسين أعماهم أيضاً أسلوبه الأدبى البلاغى الرائع عن رؤية الخلل فى فكره، وفى هذا يقول الدكتور القرضاوى: «أحترم النزعة الأدبية عند قطب، وأراه من أعظم أدباء العصر، ومن أجل هذا لا أطالبه بتدقيق الفقهاء والأصوليين، لكن اعتبار الأدب سبباً فى غموض الكاتب، وضبابية ما يكتب، والتباسه على قارئه؛ فالأمر عندى بالعكس تماما، فالكاتب الأديب الأصيل إذا كتب فى أى علم أضفى عليه من إشراق يراعه ومن نصاعة بيانه ما يجليه ويقربه إلى القارئ، ويزيح عنه أى لون من الغموض، ولم يكن قطب من دعاة الرمزية أو السريالية أو الباطنية الذين يقولون القول ولا يريدون به ما يفهمه سائر الناس، بل كان صريحاً فيما يقول، وقضية التكفير ليست قضية فقهية بعيدة عن اختصاصه، بل هى قضية أصولية اعتقادية، رأيناه يلح عليها دائماً».
4ــ الخلط بين كلامه فى قضايا الفقر والعدالة الاجتماعية وبين كلامه فى العقيدة، فظن المتحمسون له أن مؤلفاته الرائعة فى الأولى جواز مرور لقبول كلامه عموماً، لذا فقد تنبه أئمة الأزهر لهذه التفرقة، ورأوا أن كتابه «معالم فى الطريق» يمثل هدماً للمجتمع وتكفيراً له وفتنة كبرى، لكن كلامه فى العدالة الاجتماعية يمثل «مصدات قوية وشامخة وقفت فى مهب الرياح المادية العاتية والأنظمة الاقتصادية والاجتماعية التى كانت على وشك اقتلاع الجذور».