أكتبُ لكم صباحَ الأربعاء. قبل يوم من تسمية رئيس مصر، لأول مرة بالانتخاب، لا بالبيعة ولا الاستفتاء ولا الترقّى بالنيابة. هذا حسنٌ. وحسنٌ أيضاً أن نختلف حول مَن ننتخب. لأن فى اختلافنا ثراءً وحرية. ولكنْ؛ ليس حسناً أن يتحوّل الاختلافُ إلى خلاف وشِقاق، يصل إلى حدّ التخوين والتنابز بالألقاب، ثم يتطور الأمر إلى التشابك بالأيدى، وبين أبناء الأسرة الواحدة، وبين الرجل وزوجه!
من الواضح للآن أن الفارق بين المُرشحيْن سيكون 1%، أو حول ذلك. ومؤيدو هذا المرشح أو ذاك محتقنون يناصبُ كلٌّ منهم العداء للآخر! كأننا فى حرب بين عدوّين يتصارعان على غنيمة! وبالرغم من كل هذا لم نر فرداً من مؤيدى هذا أو ذاك يناقش بنداً فى برنامج مرشّحه فى مقابل بند للمرشح الآخر! فى اللقاءات التليفزيونية وفى الشوارع وفى البيوت وعلى صفحات الإنترنت، بحثتُ عن مواطن مصرى يقول: «خُطة التعليم والبحث العلمى فى برنامج مرشحى، ستجعل النشء ينهض بالبلد فى غضون عقد، بينما مرشحك لم يهتم بالتعليم ولا بالثقافة بالقدر الكافى» بحثت عمن يقول: «تأملْ البرنامج الاقتصادى والتنموى لدى مرشحى، وقارنه بما لديكم، ستعرف كيف سنقضى على التضخم خلال شهور، ونُقلّص الهوّة الشاسعة بين طبقات المصريين!» لم أجد مَن انتصرَ لمرشحه لأنه انتصر للفقراء والمعوّقين والأقليات والمرأة المعيلة وأطفال الشوارع! لم أر أحداً «يقاتل» فى صفّ مرشحه من أجل «فكرة» طالما حَلُم بها ستتحقق على يد من أعطاه صوتَه. فقط وجدتُ متصارعين على «أسماء»، وكأن الأوطانَ تنهضُ بالأسماء لا بالأفكار والأفعال والخطط والبرامج! هل نحن بالفعل غير مُهيئين بعد للديمقراطية؛ كما اعتاد حكامُنا أن يصفونا لكى يحرمونا منها؟ وهل تعريف الديمقراطية على النهج المصرى: «الديمقراطية هى ما أريد «أنا»، وما عدا هذا فاشيةٌ وخيانة»؟! إن كانت الإجابةُ بالإيجاب، فكيف قمنا بأعظم ثورات الأرض قبل عام ونصف؟! وإن كانت الإجابة بالسلب، فكيف لم نحافظ على تلك الثورة بأن نوقن أن اختلافنا يجب ألا يتجاوز حبَّنا لمصر، ولبعضنا البعض؟!
ما نعيشه الآن من جنون وعبث وتشرذم وانقسام وتخبط وصراع محموم على كرسى السلطان، وقتال من أجل «الأسماء»، يشى بأن «مصر» ليست فى حساباتنا. وكأننا نستعير ثقافتنا فى مباريات كرة قدم؛ فيقتتل كلٌّ منّا من أجل فريقه، ناسين الفكرة الأساس: كرة القدم كرياضة تهدفُ إلى الارتقاء بالأخلاق والانتصار لفنّ «اللعبة الحلوة»!
لا يقلقنى مَن سيغدو رئيسنا غداً. لأن بوسعنا الثورة عليه إن لم يتقن «اللعبة الحلوة»: حضاريا واقتصاديا واجتماعيا وتنمويا. حتى وإن رفع أحدهما علينا سوط: «الخروج على الحاكم حرام»! سنتثور حتى آخر مواطن مصرى فينا. ما يقلقنى بحقّ، هو شقّ صفّنا. لأننا وقتها سنفقدُ القدرة على التوحّد والثورة، إن أخفق الحاكمُ فى النهوض بمصر. أرجو أن يظهر مقالى هذا للنور ونحن «شعبٌ واحد».