تُلحّ وسائل الإعلام المصرية، منذ عزل الرئيس محمد مرسى، على وجود مراجعات داخل تنظيم الإخوان، الذى دخل فى حرب مفتوحة مع نظام 30 يونيو، أعادته إلى مربع الجماعات الراديكالية المؤمنة بالعنف وحمل السلاح، وإلى باحة التكفير التى راوح مقعده منها مؤقتاً قبل 40 عاماً، جراء قوة سلطة الدولة التى أجبرته على الجنوح عنوة إلى معسكر الاعتدال.. أو هكذا شُبه لهم!
نظريات «فقه المراجعات»، الذى تتفرد فيه الحالة المصرية، تشير بوضوح إلى أن قرار لجوء الجماعات الإسلامية لورقة «المراجعات» لا يكون إلاّ عقب الإيمان الكامل بالهزيمة، والتسليم بانتهاء المعركة، عندها تذهب إلى «المراجعات» راغمة، كمحاولة أخيرة تحافظ بها على ما تبقى لها من قوات مُحاربة، وفق الاستراتيجية الأثيرة للحفاظ على التنظيم!
وإذا طبقنا هذه النظرية التى عاشتها الدولة المصرية، مع أكثر من جماعة إسلامية، منها تنظيم الإخوان، نفسه عقب أزمته الشهيرة مع نظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فى ستينات وسبعينات القرن الماضى، ثم مع تنظيم الجماعة الإسلامية أواخر التسعينات، وجماعة الجهاد قبل نحو عشر سنوات، سنجد أن تنظيم الإخوان لم يعلن الهزيمة بعد، ولم يؤمن بأنه سُحق، كما لم يُسلّم بأن النصر فى معركته قد اقترب، وهو الأمر الذى يشى بأن الحديث عن وجود مراجعات يجريها التنظيم، ما هو إلا «ترهات» إعلامية وقبض ريح!
وليس من نافلة القول، فى «فقه المراجعات» الأثير، توضيح الفارق الكبير بين «المراجعات السياسية» و«المراجعات الفقهية»، بل إن توضيح الفرق هنا واجب وفرض، فالأولى: تُجريها الأحزاب والحركات والتكتلات السياسية فى العالم، لتراجع من خلالها مواقف سياسية آمنت بها فى وقت من الأوقات، ثم لا تلبث أن تجد الواقع قد تجاوز رؤاها، فتعيد صياغة ما آمنت به سياسياً، بينما «المراجعات الفقهية»، تختص بالجماعات والتنظيمات الدينية التى تبنى مواقفها وتحركات أعضائها على رؤية فقهية لمسائل دينية وقضاياه، حيث يكون المعتقد الفقهى هو المحرك الأساس فى الحرب والسِّلم والتكتيك، كتكفير الحاكم، وتحكيم الشريعة الإسلامية (الحاكمية) ومعاملة غير المسلمين، ومن ثم وجوب قتال الفئات التى تمتنع عن تنفيذ ما تراه حائلاً دون تحقيق رؤاها الفقهية فى الحكم والحياة، فيما يعرف بـ«الطوائف الممتنعة».
الإخوان كجماعة دينية، لم تُجرِ مراجعات فقهية، ولن تجرى، رغم قول قائل إنها لا تؤمن بمثل هذه الأفكار المُغالية، كما أن أدبياتها الفقهية لا تؤمن بالعنف ومحاربة الحاكم وقتال الطوائف الممتنعة، وهو قول باطل لا يراد به حق، لأن الجماعة وإن كانت تركت مثل هذه الأفكار لنحو 40 سنة هى مدة دخولها عنوة فى معسكر الاعتدال، إلاّ أنها مع أول اختبار حقيقى عادت إليها، لكن دون إعلان كما تفعل الجماعات الأخرى، والاختبار المقصود هنا هو الصدام مع دولة 30 يونيو، عقب عزلها من السلطة والزج بها فى أتون السجون، جرَّاء عودة الإيمان بتلك الأفكار وتنفيذها على أرض الواقع، وما الحكم شرعاً بتكفير الرئيس عبدالفتاح السيسى، على سبيل المثال، والقول بردّته عن الإسلام، ومن ثم وجوب قتله، إلا نزرٌ يسير لمثل هذه الأفكار المغالية التى آمن بها التنظيم بعد عودته إلى معسكر التطرف والغلو!
قد تكون هناك «مراجعة سياسية» بدأها بعض المجموعات داخل التنظيم جراء الفشل الواضح فى تجربته السياسية عقب ثورة 25 يناير، واعتلاء عرش السلطة والحكم، إلا أنها تبقى مراجعات فردية، حيث يقول التنظيم بوضوح إن الوقت ليس وقت الإعلان عنها، لأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.. وهى تلك المعركة التى يؤمن الإخوان كتنظيم بأنها لا تزال مستعرة، لذا فإن الحديث عن مراجعات سياسية مجرد إرهاصات لم ولن تتحقق بعد انقسام الإخوان بين ثلاث مجموعات، واحدة ضمت «إخوان المهجر»، وإخوان السجون، وإخوان الداخل!