على باب لجنة الامتحانات تكون النصيحة العامة: ابدأ بالأسهل، والمقصود هنا استثمار الوقت المحدد فى حل أكبر قدر من الأسئلة التى تتميز بالسهولة، كونها الأكثر تداولاً فى نماذج الامتحانات طوال عام المذاكرة أو التدريب، وبها يضمن الممتحِن النجاح على أقل تقدير.
وفى مجال السياسة أو الخدمة العامة يكون المسئول أو الحاكم محظوظاً بالتعرف على الكثير من المسائل السهلة، كونها الأكثر تداولاً وإلحاحاً على ألسنة المواطنين، وغالباً ما تشكل حاجات ضرورية تتعلق بالحياة الكريمة، مثل: الصحة، والتعليم، والسكن الملائم.
وفيما يتعلق بالصحة، فدونها المأكل والمشرب النظيفان الخاليان من مسببات الأمراض، ولا سبيل لتأمينهما بديلاً عن الزراعة وما يرتبط بها من تنمية للثروة الحيوانية والسمكية والداجنة، والصناعات المتعددة القائمة عليها أصلاً وفرعاً، لما ينتج عنها من رفاهية تحقق الأمن المجتمعى.
من حيث التعليم، فهو السؤال الثانى فى ترتيب «الأسهل»، ودون إصلاح معضلاته وإنارة فصوله، فلا يوجد تغذية ولا سكن ولا صحة، لأن مخرجات التعليم هى الخلايا الجذعية لبناء المجتمعات سليمة البنيان حضارياً وسلوكياً، ولا سبيل لإصلاح التعليم إلا بإصلاح المعلم، وفى هذا الباب طروحات ورؤى، لا يتسع المقال لمقامها.
ولأن هذه المعضلات على سهولتها تتميز ملفاتها بالضخامة، فسوف تتطلب وقتاً يزيد على الوقت المطلوب للأسئلة الصعبة، ولذا يجب البدء فى الأسئلة الأكثر تداولاً، والتى تحل نفسها بمجرد وضع القانون والمعطيات، لتنعكس نتائجها الفورية إيجاباً على نفسية الممتحِن، فتعطيه الطاقة المتجددة للمضى قدماً فى فك ألغاز باقى الأسئلة.
وفى ورقة الرئيس عبدالفتاح السيسى تزدحم الأسئلة، ويختلط فيها السهل بالصعب، والأسهل بالأصعب، ولا تخلو أبداً من معضلات معقدة، قد ينتهى وقت الامتحان دون الوصول إلى حلها، وعلى الرغم من ذلك يحقق الرئيس فى النتيجة الكلية نجاحاً بامتياز.
قد تكون الظروف التى مرت بها البلاد خلال العقد الأخير دفعت الرئيس السيسى للتصدى للمعضلات، قبل فتح الملفات السهلة، يقيناً منه أن الشعب صبور، ويتحمل الصوم جوعاً، وعطشاً، وترفيهاً، إيماناً واحتساباً لوجه مصر، لكنه لم يحسب الفترة التى ينبغى فيها أن يتخلى الصائم عن صبره، فيكسره مضطراً، هرباً من الموت.
الأسئلة السهلة كانت الأولى بالحل؛ لأن الجائع لا يقدر على الحرب، والشعب المصرى عن بكرة أبيه وقف على الجبهة الداخلية، منذ 25 يناير 2011، وجدد إيمانه بالتجنيد الاختيارى على الجبهة ذاتها فى 30 يونيو 2013، استعداداً لصد عدوان الفقر والجوع والإرهاب، إيماناً منه بأنه سيجد الحد الأدنى من المؤن التى تعينه على الثبات فى المعركة.
ومن الأسئلة الأسهل، والأكثر إلحاحاً، كان ملف الغذاء، لكن إجابته استدعت من الرئيس الاستعانة بخبراء من خارج الدائرة، أو من «برا الملعب»، فكانت معادلاتهم موغلة فى النظرية، ومبالغة فى اللف والدوران، حتى استنفدت الوقتين الأصلى والإضافى، دون بلوغ الحل المأمول، ومنها: مشروع سد الفجوة الغذائية من بوابة الزراعة، وما يتبعه من زراعة 1.5 مليون فدان صحراوى.
استعان الرئيس بمستشار زراعى تخصص 40 عاماً فى الغابات، على الرغم من أن مصر لا تقع ضمن حزام الغابات، ولا يمكن أن تثرى بمشاريع استزراع الغابات الخشبية، التى لن تؤتى أُكلها قبل عشرة أعوام على الأقل، فى الأجواء التى تصلح لها، وقد لا يعرف المستشار أن مصر بها أكثر من 50 غابة شجرية، تستنزف أموالاً، ولا تُنتج غير العدم.
استعان الرئيس السيسى أيضاً بالدكتور فاروق الباز، الخبير العالمى فى وكالة ناسا لعلوم الفضاء، ومعه اقتنع الرئيس بمحور التنمية الموازى لخط الوادى والدلتا فى الصحراء الغربية، مستنداً إلى صور الأقمار الصناعية، التى رصدت مياهاً جوفية، لا تملك مصر القدرة على استخراجها بمعدل اقتصادى حميد.
من دراسة «الباز» أيضاً، تشكل حلم الرئيس بتوسيع الرقعة الزراعية للمصريين، الذين تآكلت حظوظهم فى الرقعة المنزرعة إلى ما دون 0.75 فدان للفرد، كما تراجعت حظوظه من الماء النظيف إلى ما دون خط الفقر المائى (نحو 700 متر مكعب سنوياً)، لكن حل هذه المعضلة يتطلب، كما جاء فى المثل الشعبى الموروث «مال قارون، وصبر أيوب، وعمر نوح»، ولم يكن مطلوباً من الرئيس السيسى فى دورته الأولى سوى زراعة 400 ألف فدان، بمعدل 100 ألف فدان سنوياً.
أما السؤال الأسهل فى هذا الباب فيتمثل فى مشروع قومى لصيانة أراضى الوادى والدلتا، التى هدها المرض، وسدت مسماتها مياه الرى، مع انعدام شبكات الصرف الأزلية، سواء تلك التى أقيمت ضمن مشروع محمد على باشا، أو تلك التى أضافتها منح المشاريع الأجنبية للصرف المغطى.
هذا السؤال لم يكن يتطلب سوى 60 مليار جنيه، عربون حب من الدولة المصرية، على أن يسددها الفلاحون بالأقساط المريحة على عشرة أعوام (10 آلاف جنيه لكل فدان)، وهذا الحل كان كفيلاً برفع إنتاجية الأرض القديمة بنسبة لا تقل عن 25%، وهى توسعة رأسية تفوق مساحة الـ1.5 مليون فدان صحراوية.
وبدلاً من المشروع اللوجيستى لتداول وتخزين الغلال فى شرق التفريعة، وما حام حوله من دراسات معاكسة أو مضادة، وما يحتاجه من عشرات المليارات، كان السؤال الأسهل البديل، هو إحياء المشروع القومى للصوامع المعدنية فى أماكن إنتاج القمح فى محافظات مصر، وهو مشروع متاح لدى معهد الهندسة الزراعية التابع لوزارة الزراعة، بواقع ألف صومعة، سعة 5000 طن للصومعة الواحدة، ولا تزيد تكاليفه على مليارى جنيه، كون هذه الصوامع يتم تصنيعها داخل الهيئة العربية للتصنيع بمكونات محلية.
الإجابة عن هذا السؤال توفر نحو 25% من إجمالى الأقماح المنتجة محلياً، وهى النسبة المفقودة واقعياً ما بعد الحصاد، خلال مرحلتى التداول والتخزين فى الشون التقليدية (نحو 1.25 مليون طن قمح).
من الأسئلة السهلة واجبة الحل الفورى إجبار وزارة الزراعة على إحياء محور زراعة القطن، لزراعة نحو مليون فدان بالتدريج خلال ثلاثة أعوام، ومنها ننتج نحو 7 ملايين طن قطن، نحصل منها بالحلج على نحو 4.5 مليون طن بذرة، نستخلص منها 900 ألف طن زيت طعام، و3.6 مليون طن «كُسب» للإنتاج الحيوانى.