مسألة «تحكيم الرئيس»

على هامش أزمة تعيين رؤساء الهيئات القضائية انتهى اجتماع رؤساء أندية قضاة الأقاليم إلى قرار بمخاطبة الرئيس عبدالفتاح السيسى لحل الأزمة. حقيقة لم أفهم هذا القرار من زاويتين أساسيتين، أولاهما زاوية تحكيم الرئيس فى نزاع بين السلطتين التشريعية التى أقرت تعديلات قانون السلطة القضائية من جهة، والقضاء من جهة أخرى، وثانيتهما تتعلق بمدى وجاهة أن يكون الرئيس حكماً فى تعديل قانونى يخوله الحق فى اختيار رؤساء الهيئات القضائية.

أندية القضاة ألقت الكرة فى ملعب الرئاسة، وناشدت الرئيس التدخل فى حسم نزاعها مع السلطة التشريعية. وفى ظنى أن تحكيم رأس السلطة التنفيذية (رئيس الدولة) فى الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية يناقض ما استقر عليه العرف فى الأنظمة الديمقراطية. فالمفترض أن كل سلطة مستقلة عن الأخرى، وقد نص دستور 2014 فى مادته رقم (184) على أن «السلطة القضائية مستقلة»، وفى مادته رقم (185) على «تقوم كل جهة أو هيئة قضائية على شئونها». وتقديرى أن من بين شئون أى هيئة قضائية تحديد الأسلوب الذى تختار به رئيسها. فى ضوء ذلك لست أدرى مدى دستورية المقترح الذى سبق أن تقدم به النائب أحمد حلمى الشريف أواخر عام 2016 لتعديل قوانين السلطة القضائية، بالنص على تعيين رؤساء الهيئات القضائية بقرار من رئيس الجمهورية. وبناءً عليه لجأت أندية القضاة إلى الرئيس ليتدخل فى الأمر!

اللجوء إلى الرئيس مستغرب، لأن التعديل يعطيه الولاية على اختيار رؤساء الهيئات، فأصحاب الدعوة إلى تحكيمه فى الأزمة يفهمون أنهم يريدون منه التنازل عن اختصاص منحه إياه مجلس النواب، الأمر الذى يمكن أن يفهم منه أن دعاة تحكيم الرئيس ينظرون إليه كخصم وحكم، فكيف يمكن أن يستقيم هذا الأمر.. وهل يتوقع أصحاب الدعوة أن يتدخل الرئيس بسهولة فى أمر كهذا؟

تقديرى أننا يمكن أن نسمع من بعض المتحمسين لهذا التعديل كلاماً عن أن مجلس النواب يمثل الشعب المصرى، وأن ما يتخذه من قرارات وما يسنه من تشريعات تكتسب قوتها من إرادة هذا الشعب، قد تسمع من هؤلاء ما هو أشد وأعجب، انطلاقاً من أن الحماس يفعل أفاعيله بالبشر، لتجد من بينهم من يقول إن تدخل الرئيس لإلغاء التعديل يعنى عدم احترام مبدأ الفصل بين السلطات، وهو مبدأ ديمقراطى أصيل، ولا تستغرب إذا نسى هؤلاء أن تدخل مجلس النواب بالتعديل المذكور، دون أخذ رأى القضاة فى الاعتبار، وكذا تعيين رؤساء الهيئات القضائية، لا يكترث بمبدأ الفصل بين السلطات، لا تستغرب لأن الذاكرة انتقائية بطبيعتها!

رغم تحفظى على دعاة «تحكيم الرئيس» فى تعديلات قانون السلطة القضائية، فإننى أتعشم أن يتم التعامل مع هذا الموضوع بحكمة، تتأسس على احترام بنود الدستور الذى ينص على استقلال القضاء، والحرص على تذويب أى سوء تفاهم يمكن أن يحدث بين سلطات الدولة فى مصر، حفظاً لصورة هذا البلد.