الخبير بمركز دراسات «الأهرام»: زيارة «السيسى» تنهى فترة الشد والجذب
الدكتور عاطف سعداوى
قال الدكتور عاطف سعداوى، أستاذ السياسات العامة بمعهد ودرور ويلسون الدولى للباحثين بواشنطن سابقاً، الباحث الزائر بالصندوق الوطنى للديمقراطية بواشنطن، إن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى واشنطن تكتسب أهميتها من أنها الزيارة الأولى للرئيس المصرى إلى أمريكا منذ توليه الحكم فى 2014 بما يؤذن رسمياً بانتهاء فترة الشد والجذب التى وسمت علاقة البلدين فى ظل الإدارة الأمريكية السابقة، وكذلك لأهمية الملفات التى ستكون محل نقاش الزعيمين.
واعتبر خبير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فى حواره لـ«الوطن»، أن العلاقات مع «واشنطن» تتجاوز أهميتها الثنائية لتشمل المحيط الإقليمى، وأنه لا يمكن تفسير التحسن الملحوظ فى العلاقات المصرية السعودية دون الإشارة إلى دور واشنطن.. وإلى نص الحوار:
د. عاطف سعداوى: هاجس «حقوق الإنسان» أصبح من الماضى و«ترامب» يشجع مصر على العودة لحليفها التقليدى «واشنطن»
■ ما أهمية زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى واشنطن بشكل عام وفى هذا التوقيت؟
- أعتقد أن زيارة الرئيس السيسى إلى واشنطن تكتسب أهميتها من سببين، أولهما أنها زيارة الدولة الأولى للرئيس المصرى إلى أمريكا منذ توليه الحكم فى 2014، بما يؤذن رسمياً بانتهاء فترة الشد والجذب التى وسمت علاقة البلدين فى ظل الإدارة الأمريكية السابقة، لا سيما منذ يوليو 2013، وثانيهما يتمثل فى نوعية القضايا التى ستكون محل نقاش فى اللقاء بين قيادتى البلدتين، وطبيعة التفاهمات التى ستسفر عنها الزيارة، وهى تفاهمات أعتقد أنها ستتجاوز إعادة ترتيب العلاقات الثنائية بين البلدين إلى إعادة ترتيب شئون المنطقة وشكل التحالفات الجديدة فيها.
■ برأيك ما أبرز الملفات التى ستكون على طاولة مباحثات السيسى وترامب فى واشنطن؟
- بطبيعة الحال ستكون العلاقات الثنائية هى أبرز الملفات على طاولة المفاوضات، لا سيما العلاقات الاقتصادية والعسكرية وسبل تعزيزها، خاصة فى ظل توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة بتقليص ميزانية المساعدات الخارجية، والحديث عن احتمال تقليص المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر، لذلك ستكون هذه المسألة على رأس جدول المباحثات، أيضاً سيكون بحث تعاون البلدين فى مواجهة التطرف والإرهاب على أجندة المباحثات، لا سيما فى ظل تأكيد إدارة «ترامب» على أهمية مصر ودورها فى التحالف الدولى لمواجهة الإرهاب، أيضاً ستكون القضايا الإقليمية حاضرة بنفس قوة حضور العلاقات الثنائية، وسيكون تنسيق جهود البلدين فى الكثير من تلك القضايا مثل القضية الفلسطينية والحرب على الإرهاب والقضيتين السورية والليبية على جدول أعمال الزيارة.
■ هل أسهم التقارب بين القاهرة وواشنطن فى تحسين العلاقات بين مصر والسعودية؟
- بكل تأكيد لا يمكن تفسير التحسن الملحوظ فى العلاقات المصرية السعودية دون الإشارة إلى دور واشنطن فى هذا الصدد، خاصة أن قرار شركة أرامكو باستئناف توريد شحناتها من النفط إلى مصر جاء أثناء زيارة ولى ولى العهد السعودى إلى واشنطن، وعقب لقائه بالرئيس الأمريكى الذى قد يكون تدخل بشكل شخصى مباشر فى الأمر فى إطار جهوده لإعادة الود بين حلفاء بلاده التقليديين فى المنطقة، وفى إطار مصلحة أمريكية سعودية فى إبعاد مصر عن إيران، تمهيداً لتشكيل تحالف إقليمى جديد فى المنطقة تدعمه واشنطن وقد تسند إليه أدواراً فى حل قضايا ظلت عالقة وعصية على الحل لسنوات طويلة.
■ هل لاحظت بعض الإشارات السلبية فى علاقات القاهرة وتل أبيب بعد إعلان مصر تمسكها بحل الدولتين وما جاء بالقمة المصرية الأردنية فى فبراير الماضى رداً على تصريحات نتنياهو فى واشنطن، وهل يؤثر ذلك على العلاقات المصرية الأمريكية؟
- فى ظنى أن العلاقات المصرية الإسرائيلية فى الآونة الأخيرة لم تعد ترتبط بمدى التقدم فى عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية كما كان الوضع من قبل، وهناك أسس لعلاقات ثنائية بين البلدين بدأت تترسخ، وأصبح هناك تعاون استخباراتى واقتصادى، وتنسيق أمنى وعسكرى كبير لا سيما فى الحرب على الإرهاب، وأعتقد أن هذا التوجه فى تقوية العلاقات الثنائية مرشح للتطور مستقبلاً، عبر آلية مصرية أمريكية إسرائيلية لمواجهة المخاطر الاستراتيجية المشتركة، لا سيما فى ظل إدارة ترامب التى تسعى إلى إزالة أى خلافات بين الحلفاء المحتملين فى المنطقة، ولكن هذا لا يعنى تخلى مصر عن دورها التقليدى فى عملية السلام فى الشرق الأوسط، بل إن هذا الدور قد يعاد تكييفه ليتوافق مع رؤية الإدارة الأمريكية الجديدة فى حل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى وفقاً لمنطلقات جديدة قد تتجاوز المقولة التقليدية «الأرض مقابل السلام» لتحل محلها مقولات أخرى قد يكون أبرزها «التطبيع مقابل السلام»، وقد تنتهى مرجعيات «مؤتمر مدريد» و«اتفاق أوسلو» لتحل محلها مرجعيات مستجدة وفقاً للرؤية الأمريكية الجديدة التى قد تشهد انخراط أطراف عربية جديدة.
زيارة الرئيس ستبحث تشكيل تحالف إقليمى لمواجهة التدخلات الإيرانية.. والتقارب مع أمريكا ليس موجها للعلاقات مع روسيا فمصر دولة كبيرة تستطيع أن توازن علاقاتها الدولية
■ هل التقارب المصرى الأمريكى يمكن أن يأتى على حساب العلاقات مع روسيا، وهل تلاحظ وجود فتور فى العلاقة مع موسكو فى الآونة الأخيرة؟
- أعتقد أن مصر كدولة كبيرة وقوة إقليمية مؤثرة تستطيع، ومن مصلحتها، أن تحتفظ بعلاقات جيدة مع قوى دولية كبرى فى نفس الوقت دون أن تخسر إحداها، ولكن هذا لا ينفى أن الزخم الذى اكتسبه التقارب المصرى الروسى فى السنوات الثلاث الماضية كان مرتبطاً فى جانب منه بالتوتر الملحوظ فى العلاقات المصرية الأمريكية فى ظل إدارة «أوباما» ورؤيتها لتطورات المشهد المصرى منذ يوليو 2013، وبالتالى فإن وصول رئيس جديد للبيت الأبيض لديه نظرة مختلفة تجاه مصر وقيادتها وما يجرى فيها، قد يكون مشجعاً للقيادة المصرية على العودة للحليف الدولى المفضل تقليدياً لدى مصر والأكثر ارتباطاً بقضاياها والأقدر تأثيراً على محيطها، خاصة فى ظل بوادر عدم الثقة التى بدأت تظهر، ولو على استحياء، فى العلاقات المصرية الروسية، نتيجة مماطلة موسكو فى استئناف حركة السياحة الروسية إلى مصر، ومحاولتها تحقيق مكاسب سياسية كبيرة على حساب القاهرة قبل اتخاذ هذا القرار.
■ كيف يمكن دعم الشراكة الاستراتيجية مع أمريكا؟
- دعم الشراكة الاستراتيجية بين البلدين يجب أن يكون مبنياً على أسس راسخة من التعاون الاقتصادى والعسكرى والتفاهم السياسى والمصلحة المشتركة، ويجب قبل ذلك أن يكون مبنياً على قدر من الندية وليس مبنياً على قاعدة من التبعية، فيجب على القاهرة أن تدرك أن لديها الكثير من الأوراق التى تمكنها من بناء علاقة متوازنة مع واشنطن تحكمها المصالح المشتركة وحاجة كل طرف للآخر، ولا شك أن تعاقد الحكومة المصرية مع شركات للعلاقات العامة داخل أمريكا خطوة جيدة لتحسين صورة مصر داخل المؤسسات الأمريكية وتوضيح كثير من الحقائق الغائبة عن تلك المؤسسات وتصحيح كثير من المغالطات التى قد تنقل عبر وسائل الإعلام، ولكن هنا وجب القول إن هذه الخطوة قد تكون غير كافية إذا لم تصاحبها تحركات دبلوماسية فاعلة، خاصة إذا عرفنا أنها ليست المرة الأولى التى تتعاقد فيها مصر مع مثل هذه الشركات، فنظام مبارك نفسه تعاقد مع أكثر من شركة مشابهة.
■ إلى أى مدى هناك تشابه فى المواقف بين مصر وأمريكا فى ملفات مثل سوريا واليمن وليبيا؟
- مع وصول «ترامب» لسدة الحكم فى البيت الأبيض يبدو التوافق كبيراً بين رؤية الإدارة الأمريكية ونظيرتها المصرية فيما يتعلق بأبرز الملفات الإقليمية كسوريا والعراق وليبيا واليمن، خاصة أن الرؤيتين يحكمهما نفس الهدف ويحركهما نفس العدو، فكلا القيادتين تعتبر أن الإرهاب هو الخطر الأكبر الذى يهدد العالم والإقليم، وكلاهما يرى التنظيمات الإرهابية والمتطرفة وتجلياتها هى العدو الرئيسى الذى يجب محاربته، وهذا ما يحكم موقفهما تجاه تطورات الأزمة السورية وكذلك الليبية، لذا يزداد انخراط أمريكا يوماً بعد يوم فى المعركة الدائرة فى العراق وسوريا تحت شعار محاربة داعش، وهذا ما تجلى فى أول عملية إنزال جوى أمريكية فى معركة الرقة، ومن قبلها إرسال قوات من مشاة البحرية الأمريكية، كذلك تجرى حالياً عمليات بناء قاعدة أمريكية للطائرات بدون طيار فى مدينة أغاديس فى النيجر لاستخدامها فى شن هجمات على تنظيم «داعش» فى ليبيا.
■ هل ستبحث الزيارة تشكيل تحالف لمواجهة الإرهاب والنفوذ الإيرانى؟ وهل تتوقع انخراط مصر فى مواجهة مع إيران بالفعل؟
- المتتبع لجدول الزيارات الخارجية لواشنطن خلال الـ90 يوماً الأولى من حكم «ترامب» يستطيع أن يرسم شكل التحالفات المقبلة ويستطيع أن يستشف توجهات السياسة الخارجية الأمريكية حيال المنطقة، فحتى 20 أبريل الحالى سيكون الرئيس الأمريكى قد استقبل كلاً من العاهل الأردنى ورئيس الوزراء الإسرائيلى وولى ولى العهد السعودى والرئيس المصرى والرئيس الفلسطينى، بالإضافة لاتصال تليفونى وربما زيارة لاحقة مع ولى عهد أبوظبى، وأعتقد أن هذه الدول التى كانت إدارة أوباما حريصة على التواصل مع قادتها قد تشكل نواة للتحالف الإقليمى المزمع تشكيله فى المنطقة، حيث تتشارك معظم دوله نفس النظرة تجاه إيران وتستشعر منها نفس الخطر، وإن كانت هناك دولة مثل مصر لا تنظر إلى إيران على أنها تشكل نفس الخطورة التى تستشعرها بقية الدول، إلا إن محاولة إبعاد مصر عن إيران قد يكون ثمناً لإعادة العلاقات المصرية السعودية لسابق عهدها، لكن شخصياً لا أتوقع أن تصل الأمور إلى حد المواجهة بين مصر وإيران.
أمريكا لا تزال أكبر مصدر أسلحة إلى مصر وهذا الاتجاه سيستمر.. وعلى «القاهرة» أن تدرك أن لديها الكثير من الأخلاق لبناء علاقة متوازنة.. والتحسن الملحوظ فى العلاقات المصرية - السعودية ليس بعيداً عن دور واشنطن
■ فى شهر مارس صدر تقرير الخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان وردت الخارجية المصرية فى بيان مقتضب يختلف عن خطابها الهجومى على انتقادات تقارير إدارة أوباما، هل يؤشر ذلك لمسار معين فى التعامل مع الملف الحقوقى بين القاهرة وواشنطن؟
- أعتقد أن الملف الحقوقى كهاجس يؤرق زيارة أى مسئول مصرى لواشنطن، أصبح من الماضى، ولعل هذا أحد أهم أسباب تفضيل القاهرة لترامب كمرشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية لأنه كان جلياً أثناء حملته الانتخابية أن ملف حقوق الإنسان لن يكون أولوية فى سياسته الخارجية، بالإضافة إلى أن «ترامب» نفسه ليس حريصاً على حقوق الإنسان، فهو يهدر بتصريحاته وقراراته كثيراً من القيم الديمقراطية، سواء فى نظرته للمرأة أو فى نظرته للأقليات أو فى كثير من القرارات ذات الصبغة العنصرية التى اتخذها منذ وصوله للحكم، والتى كان أبرزها قرار تقييد دخول مواطنى 6 دول ذات أغلبية مسلمة للأراضى الأمريكية.
وبالتالى أعتقد أن الملف الحقوقى لن يكون حاضراً أثناء هذه الزيارة، ولن تكون قضايا حقوق الإنسان على جدول أعمال الزيارة، خاصة أن الرئيسين يتحدثان بنفس لهجة التصدى للتطرف الإسلامى، رغم أن التقارير الأمريكية المعنية بحقوق الإنسان قد تستمر كما هى طالما بقى الوضع الحقوقى فى مصر كما هو، مثل تقرير وزارة الخارجية الأمريكية، أو تقرير منظمة بيت الحرية، أو غيرها من التقارير، لأنها تعمل وفقاً لآلية رصد مستقلة، ولكن الفارق هنا هو توظيف الإدارة الأمريكية لهذه التقارير كآلية ضغط على مصر، وهو أمر غير متوقع فى ظل إدارة ترامب، ولعل هذا ما يفسر رد الفعل الهادئ من مصر تجاه تقرير الخارجية الأمريكية المشار إليه.
■ كيف سيؤثر اتجاه مصر لتنويع مصادر تسليحها على العلاقات العسكرية بين القاهرة وواشنطن؟ وهل يمكن أن يدفع ذلك واشنطن إلى منح مصر أسلحة متطورة مثل المقاتلة f35؟
- رغم توجه مصر فى السنوات الثلاث الماضية إلى تنويع مصادر تسلحها والاتجاه شرقاً نحو روسيا أو غرباً نحو فرنسا، فإن أمريكا لا تزال أكبر مصدر للأسلحة إلى مصر، وهذا الاتجاه سوف يستمر بكل تأكيد وربما يزيد فى ظل ولاية «ترامب»، فالتعاون الأمنى والعسكرى يظل أحد أهم تجليات العلاقات المصرية الأمريكية، بل يكاد يكون هو الجزء الثابت فى العلاقة الذى لا يتأثر سلباً بفترات الجفاء التى تصيب علاقات البلدين من حين لآخر، حيث استمر التعاون العسكرى وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين البلدين فى ذروة تأزم العلاقات بينهما، وفى ظل تبنى رئيسى البلدين لنفس الرؤية فى ضرورة محاربة الإرهاب وفى ظل تصريحات وزير الخارجية الأمريكى مؤخراً على هامش اجتماع التحالف الدولى ضد «داعش»، التى أكد فيها أن مصر والإمارات والسعودية لها دور مهم فى مواجهة داعش وأفكار التطرف، فإن التعاون العسكرى بين البلدين مرشح للتصاعد وقد يشمل تسليم مصر أسلحة حديثة ومتطورة لفرض السيطرة على سيناء.