مَن يتابع أسلوب جماعة الإخوان و«مرسيها» فى التفاعل مع دعوة حركة تمرد لإسقاط النظام فى 30 يونيو يبصر عجباً. ففى البداية اجتهد النظام الإخوانى فى التهوين منها، ومع الزيادة المذهلة فى أعداد الموقعين على استمارة سحب الثقة من الرئيس بدأ الإخوان يشعرون بالقلق، فبادروا إلى محاولة الترويض والتهدئة، ليس مع الشباب الثائر، ولكن مع عدد من «عواجيز الفرح»، الذين ليس لهم من الأمر شىء، ولم يفلح «شاطر» الجماعة فى التفاهم معهم، لأن الحوار الذى جمع الطرفين لا يتجاوز حوار «العيان والميت»، ولحظة أن بدأت الجماعة تشعر باليأس بدأت الحماقات تظهر، فدعا «الجنرال» عاصم عبدالماجد صبيان حركة تجرد إلى الاعتصام أمام القصر الجمهورى بداية من يوم 28 يونيو، لحماية الاتحادية وساكن الاتحادية، بعدها قامت «الدقون» الإخوانية، وشركاؤها فى التجارة بالدين، بحرق مقر حملة تمرد بوسط القاهرة، ولم تمر ساعات حتى جاءت النقلة النوعية الأهم على لسان الدكتور «أحمد عارف» المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين.
دعا «عارف» وزير الثقافة الدكتور عادل عبدالعزيز إلى ترك مكتبه الذى يعتصم به المثقفون والفنانون بوزارة الثقافة، ليمارس عمله من داخل أحد المساجد، وقال بالنص «هذه النخب لا تعتصم فى المساجد»، والدلالة التى تشتمل عليها هذه العبارة شديدة الخطورة، فهى تحمل تشكيكاً فى دين المثقفين والفنانين الذين يطالبون بإسقاط الوزير. ومكمن الخطورة فى هذا النمط من التفكير يرتبط بالنظر إلى المعارضين للسلطة الحاكمة كمعارضين للدين، وليس كمعارضين لسياسات رئيس أو مسئول يسىء الأداء.
والتجربة تقول إن الإخوان وشركاءها فى تجارة الدين لا يلجأون إلى سلاح تكفير الآخر وإخراجه من حظيرة الإيمان، إلا فى حالة الضعف الشديد والإحساس بأنها بصدد مواجهة خصم لا تقوى على الصمود أمامه، فتسارع إلى إشهار سلاح الدين فى وجهه. وإذا كان قائل هذا الكلام هو الدكتور أحمد عارف المتحدث الرسمى باسم الإخوان فلا بد أن تؤخذ الأمور على محمل الجد، على أساس أنه يعبر عن وجهة نظر الجماعة. ولجوء الجماعة إلى سلاح تكفير المعارضين يعنى ببساطة أنها أصبحت تقف على حافة الهاوية، وهو علامة جديدة من علامات ساعة «مرسى». والتاريخ يؤكد أنه ما إن أعمل حسن البنا آلة القتل فى معارضيه، انطلاقاً من أنهم كفار، حتى لقى حتفه قتيلاً برصاصات ست عام 1949، وعندما تبنى سيد قطب رؤيته فى تجهيل وتكفير المجتمع تم تعليقه على أعواد المشانق، والعجيب أن الرئيس «السادات» عندما أشهر سلاح التكفير فى وجه معارضيه، تم اغتياله فى حادث المنصة الشهير عام 1981، على يد تكفيريين آخرين. فاستخدام الدين كسلاح فى عراكات الدنيا يعكس أقصى درجات العجز والحمق والبلاهة والجهل.. ولا ينال عدو من جاهل ما يناله الجاهل من نفسه.. حكمته!