دون شك، الأزهر الشريف هو مرجعية دينية تاريخية عريقة. وهو ما يعنى أهمية الحفاظ عليه، ودعمه، وتطويره.
وبناءً على القاعدة السابقة، فإن أىّ نقد أو ملاحظة عليه هى فى الحقيقة ليست موجّهة إليه.. بل إلى أداء وتصريحات ومواقف القائمين عليه فى أىّ مرحلة تاريخية، بغضّ النظر عن شخصية القائمين عليه. أما العتاب المباشر على د. أحمد الطيب (شيخ الأزهر الشريف)، فهو عتاب على عالِم وفقيه أزهرى كنّا ننتظر منه الكثير من المواقف الحاسمة وطنياً، والقاطعة دينياً.
انتقاد الأزهر الشريف كأكبر وأهم مرجعية لعالم السنة المسلمين أمر مطلوب ومرغوب، أما التجاوز فهو المرفوض. وبالتبعية لا يمكن اعتبار النقد فى هذا السياق تجاوزاً وهدماً وتدميراً للأزهر، وأيضاً لا يمكن تهويل الأمر، كما يفعل البعض، واعتباره هجوماً على الإسلام.. فالدين ليس بهذه البساطة والسذاجة، أو هذا الاختزال كى يتم هدمه وتدميره بمجرد توجيه النقد إلى أداء رجال إحدى مؤسساته القوية.. فهذا يندرج تحت نظرية المؤامرة التى تُعبّر عن ضعفنا تجاه التحديات التى نواجهها.. بدلاً من مواجهة الأزمات والمشكلات لحلها وتقويم أداء المؤسسة لتصبح أكثر قوة فى الحق، والحفاظ على قوة الدولة المصرية، وهو أمر فى تقديرى بعيد كل البعد عن محاولة ربط ما يحدث بتأسيس دولة إسرائيل، مثلما يُروّج البعض.. تلك (الشماعة) الساذجة التى نحمل عليها ضعفنا وإخفاقنا فى حل مشكلاتنا وأزماتنا الداخلية.
لا يعنى تجاوز أىٍّ من رجال الأزهر ضد المواطنين المسيحيين المصريين وضد المواطنة المصرية، سواء بالفكر (مثل محمد عمارة، عضو مجمع البحوث الإسلامية ورئيس تحرير مجلة «الأزهر» السابق)، أو بالتحريض المباشر (مثل الشيخ عمر عبدالرحمن)، أو بمشاركة البعض من طلبة الأزهر فى عمليات إرهابية (مثل اغتيال هشام بركات النائب العام السابق).. أن نُحمّل الأزهر كمؤسسة هذا الخطأ بشكل خاص، لكننا لا يمكن أن نتجاهل أن الأزهر هو المسئول معنوياً وأدبياً ووطنياً ودينياً عن مواجهة أى انحراف فى تفسير بعض الآيات، أو فى توظيفها لضرب المواطنة المصرية. وهو ما يجعلنا نرفض محاولات تصوير أى نقد له باعتباره نقداً عشوائياً، أو سخرية من جهة، أو الرد بمقارنات مضادة لما يحدث للمسلمين فى بعض دول العالم من جهة أخرى.. دون مراعاة السياق الاجتماعى والثقافى والسياسى لكل دولة.
نعم، أرفض منطق التكفير، لأن فتح هذا الباب من شأنه أن يطال المخالفين، ثم المؤيدين فى حالة الاختلاف. لكن فى الوقت نفسه، لا أجد تفسيراً واضحاً لرفض تكفير تنظيم داعش الإرهابى فى مقابل تكفير المفكّرين والمبدعين قبل ذلك، على غرار: طه حسين، وفرج فودة، ونصر حامد أبوزيد، وقبل ذلك الإسهام فى إعدام المفكر السودانى محمود محمد طه. كما لا أجد تبريراً للسماح بتداول كتب ياسر برهامى التى تُكفّر المواطنين المسيحيين المصريين مباشرة دون استخدام حق السحب والمصادرة فى حالة إذا تم تحريفها بعد الموافقة على نشرها. وما الموقف إذا كانت الموافقة عليها قبل طبعها تمت بهذه الأفكار نفسها من الأصل؟!
أذكر أن مثلث القوة المصرية الذى عبر بِنَا فى 30 يونيو، أركانه هى: الجيش والكنيسة والأزهر.. باعتبارها أهم وأقدم المؤسسات التاريخية المصرية. وهى حصن الأمان أمام التطرّف والإرهاب والفاشية الدينية، وهى أيضاً رمز قوة دولة المواطنة المصرية.
أعتقد أنه قد آن الأوان لمراجعة أداء بيت العائلة الذى يُكرّس لدور الجلسات العرفية التى تستبعد دولة القانون لصالح منطق القوة العائلية والعشائرية فى الحكم على المشكلات بحلول عرفية لا علاقة لها بالقانون ونصوصه.
لماذا لا نقف أمام مشهد تراجع الأزهر الشريف أمام الوهابية السعودية من جهة، وبعض اتجاهات التجديد الإسلامى فى لبنان وتونس والمغرب من جهة أخرى. ألا يحتاج ذلك إلى تقييم وتقويم لأداء الأزهر كمؤسسة لها دور وطنى بالدرجة الأولى.
تجديد الخطاب الدينى ليس مسئولية الأزهر وحده، لكنه استراتيجية وطنية تضم وزارات وهيئات عدة، منها الثقافة والتعليم والإعلام.. خصوصاً فى ظل استمرار وجود بعض المنابر الإعلامية غير المنضبطة وطنياً وفكرياً، مثل «اللواء الإسلامى» التى تصدر عن الدار المصرية للنشر والاستثمار التابعة لمؤسسة «أخبار اليوم»، ومجلة «المختار الإسلامى» التى تُنشر لرواد التكفير والأزمات الطائفية، فضلاً عن القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعى.
نقطة ومن أول السطر:
الدولة المصرية أكبر من المؤسسة الدينية، سواء كانت المسيحية أو الإسلامية.. فقوتها واستقرارها هما اللذان يهبان المؤسستين مكانتهما. كما أن ثباتهما ومرجعيتهما فى نشر قيم منظومة المواطنة.. يدعم مصر كدولة تستحق مكانتها أمام العالم.