صخب دائر ولا يزال حول تعيين وزير الثقافة، ما بين دفاع من الإخوان بأنه جاء لتطهير الفساد، وهجوم بأن علاقته بالثقافة والإدارة كعلاقة النبى بالشعر، والحقيقة أن دفاع الإخوان عنه فيه إدانة وتنقيص وسخرية منه، من حيث لا يدرون، ذلك أن اكتفاءهم بأنه جاء لتطهير الفساد دلالة على أنهم لم يجدوا فى تاريخ الرجل أى مزية ثقافية أو فكرية يقدمونه بها، ليبقى السؤال: ما قدرات هذا الوزير الفكرية لتطوير الثقافة بعد إنجازه لمهمة التطهير؟ وماذا لو لم يطلب وزير الثقافة السابق التنحى واستمر فى منصبه؟ هل كان أحد سيتحدث عن فساد الوزارة بهذا الشكل بمناسبة مرور سنة على تولى الجماعة شئون البلاد؟
المقصود أنه، وعلى هامش هذه الأجواء، دار نقاش بين الإخوانى أحمد عارف والمخرج خالد يوسف حول الفكر والإبداع عند الإخوان، وهذه السطور مشاركة مختصرة فى موضوع الحوار، وهنا شهادة مهمة للقرضاوى فى مذكراته، قال فيها: «جماعة الإخوان عندهم ضعف فى الجانبين الثقافى والعلمى، كانوا يدربوننا على السمع والطاعة، مثل قول إسماعيل لأبيه: يا أبت افعل ما تؤمر، فهم يريدون جنوداً مطيعين لا دعاة مثقفين، كأنما كان هناك خوف عندهم من القراءة والثقافة أن تنشئ العقلية المتمردة، تلك القراءة التى تقول: فيم؟ ولماذا؟ وكيف؟ ولا تقول سمعنا وأطعنا، كان ذلك الهاجس هو السبب فى وهن الجانب الفكرى عند الإخوان، وكان مصدر ثقافتهم مقالات ودروس البنا فقط، فإذا شغلت الإمام البنا الشواغل الكثيرة خوى وفاضهم، ونفدت بضاعتهم، وقلّ المعروض فى سوقهم، وقد عمل البنا جاهداً على معالجة ذلك بلجنة الشباب المسلم، فكان ينبغى عليهم أن يهتموا بالجانب الثقافى، لكن للأسف لم يفعلوا، بل لم يفكروا مجرد تفكير فى ذلك! وهذه ملاحظة ناقدة لكنها لا تمس جوهر الدعوة»، كأن القرضاوى هنا يدلى بشهادته على اختيار عبدالعزيز دون أن يدرى ما كان يخفيه الزمن، ويدق ناقوساً حول هامشية العطاء الإخوانى من زاويته الإبداعية، هذه الهامشية وإن كان لها أسبابها المبررة عند البنا، كشواغله العامة، لكن ليس هناك ما يبررها عند الجماعة بعده إلا الخوف من العقلية المبدعة، أو بعبارة الإخوانى أحمد غالى «أسياد فى التنظيم يقودون عبيداً». وقد وعى بعضهم العجز الكبير فى الناحية العلمية نفسها، فحاولوا معالجة ذلك بكتابات متناثرة «فقه السنة» لسيد سابق، و«خطوط فى الاقتصاد» لمحمود أبوالسعود، و«المرأة» للبهى الخولى، لكن كلها فلتات متناثرة، وكما يقول فهمى هويدى: «ليس للجماعة فكر ذو قيمة»، ويذهب د. المسيرى إلى أن «رد الفعل» عند الجماعة غلب على الفكر والإبداع، وقد سألت د. محمد عمارة بفندق «ماريوت» صيف 2007 فأقر بوجود ضحالة إبداعية عند الجماعة، وكل ما قاله أن لديهم «لجنة» أنشأها البنا، وفى كتابه «مراجعات الفكر والتنظيم» للدكتور عبدالستار المليجى، عضو مجلس شورى الجماعة، قال: «لا يوجد مفكر واحد بالمعنى العلمى فى الجماعة»، هذه شهادات من قلب الإخوان الغرض منها أن تتأنى الجماعة فى اختيار الوزراء، وتتوقف لالتقاط الأنفاس والقيام بالمراجعات اللازمة لإعادة صياغة وطرح وبناء الآليات اللازمة للتعامل مع الواقع الجديد، وتقييم المرحلة السابقة تقييماً موضوعياً ودقيقاً ومتجرداً لمعرفة مواضع الخلل وإعادة بناء منظومة قادرة على أن تقدم النموذج والحلول والبدائل، لأن الوقت لا يحتمل الخطأ ولا الارتجال، ولا تجدى فيه المراوغة ولا التدليس، والاستقواء بالشعب أجدى من الاستقواء بالحشد والتنظيم، والصندوق الانتخابى يكفل لك السلطة، وأما محبة الناس فيكفلها لك إنجازك وصدقك فقط.