تاريخ من الاحتجاجات تشهد عليه النقابات.. والهتاف واحد «بصى علينا ياحكومة»
رفعوا كثيراً من المطالب ولم يتحقق إلا القليل
سنوات من الشكوى والأوضاع السيئة حوّلتهم إلى وقود للاحتجاجات التى اندلعت ومهّدت لما تلاها من حركات كلها ترفع شعار «حقوق عمال مصر»، أصبح هؤلاء العمال جزءاً من مشهد احتجاجى أكبر، خرج فى 25 يناير ثائراً على النظام، لتسير أوضاع العمال من بعدها من سيئ إلى أسوأ، وبحسب التقارير والإحصاءات الدولية، فإن أوضاعهم تتراجع بفعل الأزمات الاقتصادية المتتالية، التى تسببت فى إغلاق مزيد من المصانع، لتعود المظاهرات من جديد أشد وطأة فى عام حكم الإخوان.
وباندلاع ثورة 30 يونيو يسود الهدوء اللافت، ليس نتاج تحسن فى أوضاع العمال، بل نتاج صبر وجلد ورغبة حقيقية فى مساندة البلاد فى أزمتها الاقتصادية، لكنه صبر مشروط بعدد من الإجراءات الإصلاحية التى من شأنها معالجة الخلل، فقد تعرّض الاقتصاد المصرى لأزمات كثيرة خلال الأعوام القليلة الماضية، لا سيما الوضع الأسوأ الذى كان فى عام حكم «الإخوان» الإرهابية، وتُعتبر الفئات العمالية الأكثر تأثراً بأوضاع البلاد، فبعد أحداث ثورة 25 يناير خرج الكثير من جموع العمال فى تظاهرات واحتجاجات لتطالب بزيادة المرتبات وتثبيت العمالة المؤقتة، وبالرغم من تدنى الوضع الاقتصادى وارتفاع أسعار السلع الأساسية، فإن مسئولية العامل وحرصه على أمن واستقرار وطنه وتقديره للوضع الحرج الذى تمر به مصر فى حربها ضد الإرهاب كانت سبب تراجع نسبة التظاهرات والاحتجاجات، خاصة فى العامين الماضيين، طبقاً لإحصائيات وتقارير دولية.
«الصناعات المعدنية»: تعنُّت رجال الأعمال فى الشركات يسبب أزمات كثيرة للعمال.. و«الصناعات الكيماوية»: نحتاج إلى تأهيل للحصول على حقوقنا
لكن تبقى الأزمات العمالية صداعاً فى رأس المسئولين لا ينتهى، وتأتى معاناة قطاع الغزل والنسيج دائماً فى مقدمة القطاعات التى يعانى عمالها من أزمات متلاحقة، ولعل غلق أكثر من 2000 مصنع من إجمالى 4 آلاف مصنع بسبب الأزمات المادية وغيرها من الأزمات التى حالت دون استمرارهم، سبب فى ذلك. يقول عبدالفتاح إبراهيم، رئيس النقابة العامة للعاملين بالغزل والنسيج، إن الحالة التى وصلت إليها صناعة الغزل والنسيج أثرت على مستوى المهنة وبالتالى على مرتبات العمال، مشيراً إلى أن «البيئة التى يعمل بها العامل غير صحية وغير مناسبة للإنتاج والآلات التى تستخدم متهالكة ما يسبب إرهاقاً كبيراً للعامل».
وأوضح «إبراهيم» أنه مع تدهور صناعة الغزل والنسيج، أصبح العامل غير قادر على المطالبة بمستحقاته المالية، مطالباً الحكومة بضرورة دعم المصانع المغلقة بدلاً من إنشاء مناطق جديدة للصناعة، وأشار إلى أن الحكومة أنفقت 18 مليون جنيه من أجل إعداد دراسات تطوير الشركات العاملة فى مجال النسيج والتابعة للحكومة، مؤكداً أن «دخول شركات أجنبية فى مجال الغزل يقضى على الصناعة تماماً».
أما عمال السكة الحديد، فعدم تثبيت عقود العمالة المؤقتة يمثل الأزمة الأكبر بين الكثير من العاملين، لا سيما أن هناك أكثر من 1300 عامل غير مثبتين بالقطاع، يؤكد عبدالفتاح فكرى، رئيس النقابة العامة للعاملين بالسكة الحديد، أن مشكلة تثبيت العاملين تمثل حجر عثرة أمام العديد منهم، مشيراً إلى أن هناك أزمة أخرى تتمثل فى عدم الانتهاء من اللائحة الخاصة بالعاملين بالسكة الحديد التى تقر العلاوة الدورية ١٠٪، خاصة أنهم غير مخاطبين بقانون الخدمة المدنية.
وقال «فكرى» إن مشكلة تسويات العاملين الحاصلين على مؤهلات عليا لدفعة ٢٠١٥/٢٠١٦ تُعد من المشكلات البارزة فى القطاع فى المرحلة الحالية، خاصة أن آخر موعد لهذه التسويات عام ٢٠١٨ ولن يتم إجراء تسويات أخرى بعد هذا العام. وأضاف: «عمال الصيانة يعانون من تدنى الحوافز وبرغم محاولات زيادة الأجور فى جميع قطاعات السكة الحديد فإن ذلك لم يواكب غلاء الأسعار»، موضحاً أن «قطاع السكة الحديد يعمل طول الـ٢٤ ساعة المتواصلة حتى أيام العطلات والمناسبات ولا بد من مراعاة ذلك». وأشار إلى أن سائقى القطارات لديهم مشكلة كبيرة، حيث يعانون من انخفاض سعر الكيلومتر فى الرحلات التى يقومون بها، وهو أمر ظالم بالنسبة لهم، والقطاع بشكل عام يعانى من عدم وجود إمكانيات مالية من أجل التطوير.
وأكد محمد وهب الله، رئيس نقابة العاملين بالتجارة، أن عدم توفير عيشة كريمة يُعتبر من أكثر ما يعانيه العامل فى القطاع، فالعمال يحتاجون إلى إعادة النظر فى كافة مناحى الحياة، مشيراً إلى أن العمال يحتاجون إلى حزمة جديدة من التشريعات التى تساهم فى رفع المستوى المعيشى للعمال من حيث الأجر والرعاية الصحية والاجتماعية. وأضاف «وهب الله» أن معاناة الكثير من الشركات نتيجة الأعباء المالية الواقعة عليهم وعدم ضخ استثمارات جديدة للارتقاء بمستوى خدمتها تزيد الأمر صعوبة، موضحاً أن عدد العمال الموجودين بهذه الشركات كبير جداً وبالتالى فإن الأرباح تكون ضعيفة.
على جانب آخر، يتصدر سوء الحالة الاقتصادية قائمة أسباب المعاناة التى يعانيها العاملون بالتشييد والبناء، حيث يقول المهندس عبدالمنعم الجمل، رئيس النقابة العامة، إن الحالة الاقتصادية وصلت إلى مرحلة صعبة جداً لعمال قطاع التشييد والبناء، فالدخل الشهرى للعامل لم يعد كافياً لقضاء مستلزماته اليومية له ولبيته. وأضاف «الجمل» أن «قطاع التشييد والبناء يحتوى على أكثر من مائة صناعة ومهنة، ومعظم العاملين به يجدون أمامهم الكثير من العراقيل، ما يسبب عدم الشعور بالأمان أو الاستقرار الوظيفى»، متابعاً: «من الصعب أن ينتج العامل وهو قلق على مستقبله المهدد دائماً». وأوضح أن عمال هيئات الطرق ومديريات الطرق يتقاضون أدنى أجور فى الدولة، مشيراً إلى أن هناك العديد من الأزمات التى تواجه القطاع بشكل عام منها بطء استخراج تراخيص المبانى فى الأحياء والمحافظات وأن هذا التعطيل يسبب العديد من المشكلات.
فيما قال خالد الفقى، رئيس النقابة العامة للعاملين بالصناعات الهندسية، إن تعنت رجال الأعمال فى إدارتهم شركات القطاع الخاص يسبب أزمات كثيرة مع العمال، مشيراً إلى أن الكثير من عمال القطاع رغم معاناتهم لا يشتكون، مستدركاً: «عمل المصانع بشكل جيد يتيح الفرصة للعامل أن ينتج وبالتالى وقتها يصبح كل شىء على ما يرام»، وتابع: «ظروف الصناعة فى الماضى كانت تمثل عبئاً ثقيلاً على العامل، خاصة فى ظل عدم وجود خامات تمكّنه من الإنتاج، ورغم هذه الأزمات لم تتوقف رواتب العمال». وهو ما أكده عماد حمدى، رئيس النقابة العامة للعاملين بالصناعات الكيماوية، موضحاً أن أفضل إنتاج للعامل وهو يعمل فى جو ملائم يساعده على الإنجاز، وأشار إلى أن تحويل المصانع المتهالكة إلى مصانع منتجة يساهم فى زيادة الإنتاج الوطنى، ويسد العجز الذى تحتاجه الدولة من الخارج ويعود بالنفع على الاقتصاد. وقال حمدى، إن العامل يحتاج إلى صقل خبراته بشكل دورى، مشدداً على ضرورة تأهيل وتدريب الكوادر النقابية عن طريق دراسة التشريعات التى تهدف إلى رفع المهارات التفاوضية عند حل المنازعات فى العمل بين العامل وصاحب العمل بما يضمن حماية مصالح الطرفين.