كنت أتمنى أن يكتب «مبارك» شهادته على ثورة 25 يناير.. أن يحدد مسئولية رجاله عن الفساد والاستبداد.. أن يفسر لنا لماذا لم يسلم السلطة إلى نائبه اللواء «عمر سليمان»، أو إلى رئيس مجلس الشعب، وهو من خدرنا طويلا بعدم وجود «فراغ دستورى فى حال غيابه»؟!
فهل تعرض «مبارك» لما يسمى بـ«انقلاب ناعم» من القوات المسلحة، أم أنه سلم المجلس العسكرى قيادة البلاد ضمانا لخروجه الآمن.. ولمزيد من إرباك الحياة السياسية؟
السؤال الأخير لم تصل جريدة «الوطن» إليه حتى الآن، فى انفرادها بمحاورة «مبارك» الذى أثار الغيرة المهنية وموجات النفى والإنكار.. وربما لن يجيب عليه «مبارك» أبدا!
لكنه فى ثنايا كلامه يقول: «اتخذت قرار التنحى بنفسى ولم يضغط علىّ أحد، وكان ممكن أستمر فى الحكم، لكننى قررت التنحى حفاظاً على أرواح الناس وعدم إراقة الدماء».. وأنا أصدقه، إنه «محارب» ولا يمكن أن يكون دمويا مثل «القذافى» أو «بشار» أو «ميليشيات الإخوان».. وجميعنا نعلم أنه زهد الحياة والسياسة بعد وفاة حفيده.
الرئيس السابق قدم شهادات مهمة فى حواره لـ«الوطن»، أهمها رفضه للطلب الأمريكى لبناء قواعد عسكرية داخل الأراضى المصرية، وبحسب شهادة «مبارك» فإنه قال لوزير الدفاع الأمريكى: لا «أبوغزالة» وزير الدفاع المصرى آنذاك، ولا البرلمان، ولا أنا نملك ذلك، لا بد من استفتاء شعبى. وأغلق الموضوع تماما.
من هنا نفهم سبب ضغط الرئيس الأمريكى «أوباما» على «مبارك» لتسليم السلطة إلى مجموعة سياسيين، هذا الضغط لم يكن انحيازا لثورة شعب ولا تكريسا للديمقراطية.. لقد وجدت الإدارة الأمريكية حليفا جديدا «الإخوان المسلمين» يحقق مطالبهم فى المنطقة العربية وأولها ضمان أمن إسرائيل الأمر الذى حققه حكم المرشد.. وهذا أيضاً يبرر دفاع «آن باترسون»، السفيرة الأمريكية فى مصر، المستميت عن حكم الإخوان ولو بالتدخل السافر فى الشأن المصرى الداخلى!
عند «مبارك» شفرة ألغاز كثيرة، ولهذا يجب أن يتكلم، لا سن الرجل ولا وضعه يسمحان له بالكذب.. ولا (المرمطة) التى يعيشها الآن لإذلاله من الإخوان.
عن الإخوان يقول «مبارك» إن كل من حكموا مصر يعرفونهم جيدا، وهذا يفسر لنا مَن صاحب المصلحة فى حرق مقار أمن الدولة، ولماذا تحاول الجماعة الاستيلاء على «دار الوثائق»، ولماذا يعادون جهاز المخابرات ويسعون لأخونة الشرطة أو إسقاطها؟ ألم تكن تقارير الجهات الرقابية كلها تصب عند «مبارك»؟
«مبارك» متفاجئ من أداء الجماعة، لأنهم جماعة اعتادت العمل فى «السر» ولا يعرفون العمل فى النور.. وبحسب قوله: «لا توجد دولة تدار فى السر، دى دولة كبيرة.. وقديمة.. وبها شعب كبير ومتنوع وفيه تعددية لازم نحافظ عليها».
«مبارك» قال أيضاً إنهم يديرون الاقتصاد بمنطق «التاجر»، لكنه لم يقل إنهم يعاملون المعارضة بمنهج العصابات والقراصنة.. وإنهم أهدروا دمنا واستباحوا أراضينا.. لم يستشرف المستقبل ليرى مصير خلفه فى الحكم!
لكنه ضحك وهو يصف جولات «مرسى»: «أهو بيتفسح»! لكن يبدو أن رحلات الرئيس قد اقتربت من نهايتها.. ويوم 30 يونيو سيقول له الشعب: «لقد نفد وقودكم»!!