الإمام الفخر الرازى شيخ الإسلام وإمام الدنيا فى المعقولات، وصاحب تفسير «مفاتيح الغيب»، نقارن هنا بين كلامه والكلام الثائر الذى نسمعه اليوم فى فتنة تكفير المسيحى، يقول -رحمه الله- ما خلاصته:
«الكفار كانوا مقرين بوجود الصانع، وأنه الذى خلقهم ورزقهم، والعبد يتحمل من مولاه ما لا يتحمله من غيره، فلو أنه -عليه السلام- قال ابتداء (من نفسه) «يا أيها الكافرون» لجاز أن يكون هذا كلام محمد، والعبد يتحمل من مولاه ما لا يتحمله من غيره، فلعل (الكفار) ما كانوا يتحملون ذلك من النبى، وكانوا يؤذونه، ولكن لما سمعوا قوله (قل) علموا أن النبى ينقل هذا التغليظ من الله، فكانوا يتحملونه من الله ولا يتأذون منه»، والشاهد هنا أن الله علم أن الكفار (أعداء الإسلام وعبدة الأصنام) يتأذون من هذا اللفظ لو قاله لهم (مكمل الأخلاق والرفق ورسول الإنسانية)، فماذا لو قال هذا اللفظ (سالم عبدالجليل ومؤيدوه) فى حق الأقباط (الذين لا يعبدون الأصنام ولا يعادون المسلمين)؟!.
يقول الرازى: «لما قال رسول الله (قل) زال إشكال الكافرين حين سألوا: أهذا كلامك أم كلام ربك»، فانظر إلى مدى الاحتراز فى أحقية الله -وليس البشر- فى إطلاق هذا النداء. يقول الرازى: «وقد كان محمد عليه الصلاة والسلام فى غاية الشفقة والرأفة (بالكفار)، وكانوا يعلمون أنه شديد الاحتراز عن الكذب، وكان فى نهاية الصدق و(نهاية) البعد عن الكذب، ثم يصف ولده بعيب عظيم، فالولد إن كان عاقلاً يعلم أنه ما وصفه بذلك مع غاية شفقته عليه إلا لصدقه، فلربما يصير ذلك داعياً لهم إلى الاحتراز عنها»، فهل شبابنا اليوم فى غاية الشفقة على المسيحيين والرأفة بهم، وبلغوا النهاية فى الصدق، والنهاية فى البعد عن الكذب، وتعاملوا مع المسيحى معاملة الوالد لولده، وهل تحقق المقصود من أن المسيحيين تعاملوا مع تكفيرهم على أنه شفقة من المشايخ عليهم؟! وهل احترزوا عن هذه الصفة فدخلوا فى الإسلام؟!
ويقول: «كان عليه الصلاة والسلام مأموراً بالرفق واللين فى جميع الأمور، «فكيف خاطبهم بـ: «أيها الكافرون»، وكيف يليق هذا التغليظ بذلك الرفق؟ والجواب: كأن رسول الله أجاب بأنى مأمور بهذا الكلام (من الله) لا أنى ذكرتُه من عند نفسى».
ويقول الرازى: «لما قال الكفار نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة، أمره الله أن يقول: «يا أيها الكافرون»، فهل طلب منا المسيحيون أن نؤمن بالإنجيل سنة ويؤمنون بمحمد سنة حتى نقول لهم هذا؟! ويقول الرازى: لما دعوا رسول الله ليعبد الأصنام سكت، فظنوا أن سكوته معناه الميل لدينهم، فتدارك إزالة ذلك وقال (قل يا أيها الكافرون).. فهل دعانا المسيحيون للدخول فى النصرانية، وسكتنا، فظنوا أن سكوتنا معناه الميل لدينهم، فكان علينا أن نتدارك ذلك ونقول لهم أنتم كفار؟!
يقول الرازى: والخطاب بالكافرين لا يجوز أن يكون خطاباً مع الكل، لأن فى الكفار من يعبد الله كاليهود والنصارى، ومن الكفار من آمن بالله وصار يعبده، فإذن وجب أن يقال إن قوله: «يا أيها الكافرون» (خاص) لمن قال نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة.
ثم.. 1- هذا النقل العلمى كان واجباً من مجمع البحوث ووزارة الأوقاف وليس الاكتفاء بالإنكار والتحقيق الإدارى. 2- لا أرى للأوقاف حقاً فى معاقبة «عبدالله رشدى» لأن كلامه صدر بعيداً عن مكان العمل. 3- دعاة الفتنة من الطرفين وليس من المسلمين فقط. 4- قول «سعاد صالح» بشرك «عبدالجليل» (هذيان). 5- لم يثبت أن غير مسلم دخل الإسلام لأننا قلنا له: أنت كافر وفى النار، فخاف وأسلم، بل يدخل الإسلام إذا رأى فيه الرحمة والرقى والجمال والحضارة.. إلا أن الفرق شاسع بين الإسلام الذى جاء به نبى الهدى والإسلام الغاضب الذى نقدمه وفق أهوائنا.