حالة السيد طارق عامر فى الاقتصاد المصرى وأزماته المالية، حالة نادرة ولكنها ليست جديدة؛ لأنها تتكرر وإن كان على فترات بعيدة، وربما أقربها إلى الأذهان حالة الدكتور عبدالرزاق عبدالمجيد، الذى أثار ضجة غير مسبوقة بعد أسابيع من توليه منصبه عام 1980 نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للمالية والاقتصاد والتخطيط.
تحت قبة مجلس الشعب وقف د. عبدالرزاق، وكان الرئيس الراحل أنور السادات يطلق عليه «إيرهارد» مصر -وزير الاقتصاد الذى نهض بألمانيا بعد الحرب- ليناقش ميزانية العام الجديد مع النواب الذين فوجئوا بأنها خالية من أى نوع من أنواع العجز وأن الإيرادات متساوية مع الإنفاق، وفى مواجهة صرخات النواب ظل وزير المالية يقسم «برحمة أبوه وأمه» على صدق الميزانية، ولما فاض به الكيل من اعتراضات النواب صرخ قائلاً «علىّ الطلاق بالتلاتة الميزانية مضبوطة». ليتبين للنواب أن الرجل على حق فقد أضاف المنح والمعونات التى تتلقاها مصر من الخارج والقروض إلى موارد الدولة، فانتهى العجز من بنود ميزانية مصر.
وكذلك فإن «عامر» لم يخطئ بل نحن المخطئون، وهو على خطى سلفه وزير المالية، فالديون والقروض جزء من موارد الدولة حتى لو كنا سنقوم بسدادها بعد حين وحتى لو استنزفت من مواردنا الحقيقية فوائد وأقساطاً، المهم أنها دخلت الموازنة وسدت ثقب العجز وحققت التعادل بين الإيرادات والمصروفات.
الحقيقة أن السيد «عامر» أخطأ مجموعة أخطاء بسيطة، منها مثلاً أن تحويلات المصريين فى الخارج تتدفق بصورة تاريخية غير مسبوقة «آه والله هو قال كده.. يا نهار أسود»، وأن الأسعار ستنخفض العام المقبل، ولماذا لا؟ فمحافظ البنك المركزى لا يعلم أن الأسعار فى مصر تسير فى اتجاه الصعود فقط ولا تنخفض، لأننا وببساطة لا نملك آليات ضبط الأسواق، وقال أشياء أخرى كثيرة كلها أخطاء، لكنها من نوع الأخطاء البسيطة المقبولة حتى ولو كانت «حتضيّع بلد».
مشكلة تصريحات السيد «عامر» التى لم يتنبه لها، أنها تواكبت مع إجراءات أطلقها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى هى الأكثر جرأة فى تاريخ الدولة المصرية منذ وفاة الزعيم جمال عبدالناصر وحتى الآن فى مجال سياساتنا الداخلية، حين أعلن الحرب على مافيا الأراضى وهم الجماعة الأخطر والأقوى نفوذاً فى الدولة المصرية والأكثر تغلغلاً وانتشاراً بين الفئات الاجتماعية بمختلف مستوياتها، وهم يمثلون النواة الحقيقية للفساد فى النشاط الاقتصادى بالبلاد.
الإجراءات التى قررها «السيسى» لا تسترد أراضى منهوبة وفقط، وإنما هى تعيد الثقة فى نفوس المستثمرين أن بهذا البلد دولة قادرة على إنفاذ القانون ضد كبار اللصوص، وأن بهذا البلد قانوناً كفيلاً بحماية الحقوق، وهى إجراءات تسهم فى تصحيح الصورة عن مصر، وتؤكد رغبة الدولة الأكيدة فى مكافحة الفساد، ليأتى السيد «عامر» فى المقابل ويطلق تصريحات أقل ما توصف بأنها مثيرة للسخرية عن قدرات ومفاهيم الحكومة المصرية فى إدارة شئونها الاقتصادية.
بجد.. أقيلوه قبل ما ينجح هو فى إقالتنا.