كل عام وأنتم بخير، فى التاريخ الإسلامى قصص لنساء تم إغفالها عمداً، عندما نقرأها نكتشف أن ما يقدم لنا الآن دين مختلف عما قدمه لنا سيد الخلق سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، ما أتى به الرسول دين الحق والعدل والمساواة واحترام البشرية، دين أتاح للنساء مساحات واسعة للعمل والمشاركة والإبداع، لذا إن أردنا تجديد الخطاب الدينى، فعلينا أن نراجع التاريخ واكتشاف ما تم إخفاؤه عمداً.
من القصص الرائعة قصة الطبيبة رُفيدة بنت سعد، رضى الله عنها.
«رفيدة» بايعت الرسول، صلى الله عليه وسلم، بعد الهجرة، واشتركت فى غزوتى الخندق وخيبر، وهى سيدة أنصارية، ونساء الأنصار معروفات بقوتهن، قالت عليهن السيدة عائشة: «ليت نساء المسلمين كنساء الأنصار، لا يمنعهن حياؤهن عن التفقّه فى الدين»، لأنهن كن قويات، عارفات حقوقهن، ولا يمنعهن الحياء ولا ضغط مجتمع، ببساطة وبلغة العصر «نسويات مناصرات لحقوق المرأة».
«رفيدة» كانت تجيد القراءة والكتابة، ولديها علم فى الطب والدواء، فضلاً عن كونها غنية صاحبة ثروة واسعة.
كانت تعلم العلوم الطبية، وكانت تنفق على عملها من حُرّ مالها، وخالص ثروتها، متطوعة بالجهد والمال، لخدمة مجتمعها، استهوتها حِرْفة التمريض، ومهنة التطبيب والمداواة، وتفوّقت فى ذلك، حتى اشتهر عنها، وعُرفت بين الناس.
«رفيدة» عملت خيمة طبية وميدانية بَدْءاً من يوم أُحُد، كانت تستضيف الجرحى، تضمّد جراحهم، وتُسعفهم، وكانت تخرج فى الغزوات، وتنقل معها خيمتها بكل متطلباتها وأدواتها واحتياجاتها فوق ظهور الجِمال، تنصب خيمتها المجهّزة فى معسكر المسلمين، تشاركها العمل الصحابيات، مثل نُسيبة بنت كعب الشهيرة بـ«أم عمارة»؛ لذا تعد خيمة «رفيدة» أول مستشفى ميدانى.
كما كان لها مستشفى دائم، مستشفى رُفيدة كان خيمة خاصة وبارزة، ملحقة بمسجد النبى، صلى الله عليه وسلم، كمستشفى لعلاج المرضى والمصابين بجروح.
أيضاً كان مستشفى تعليمياً، حيث علّمت ودرّبت فريقاً من الممرضات وقسّمتهم إلى مجموعات لرعاية المرضى ليلاً ونهاراً، «شيفتات» مثل الأنظمة الحديثة.
«رُفيدة» أيضاً عُرفت وذاع صيتها بين معاصريها فى فن الجراحة، لهذا السبب اختارها الرسول، صلى الله عليه وسلم، لعلاج سعد بن معاذ، رضى الله عنه.
كانت تُداوى الجرحى، وتشرف بنفسها على خدمة من كان به جرح أو مرض من المسلمين.
ذكر ابن إسحاق «رفيدة الأنصارية» أو الأسلمية فى قصة سعد بن معاذ لما أصيب بالخندق، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اجعلوه فى خيمة «رفيدة» التى فى المسجد، حتى أعوده من قريب.
وتقديراً من النبى، صلى الله عليه وسلم، لدور «رفيدة» ومجهودها فى الحرب وفى السلم، كان يُعطى «رفيدة» حصة مقاتل، فقد ذكر «أبوعمر» عن «الواقدى» أنها شهدت خيبر مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأسهم لها سهم رجل.
إيه رأيكم؟
عندما قرأت قصة «رفيدة» افتكرت صديقتى أول طبيبة جراحة فى مصر عندما عانت فى دخول امتحانات تخصص الجراحة 8 مرات، رغم تفوقها، وناضلت من أجل حقها فى أن تكون جراحة، وكيف كانت «رفيدة» جرّاحة قبل ألف وأربعمائة عام، ويُخصص لها سهم، مثلها مثل مقاتل فى الجيش، تقديراً لها ولدورها.