المزارعون ينعون «المرشد الزراعى»: «ماشفناهوش من 20 سنة وللأسف مفيش حد بيدور علينا.. وكل واحد بيساعد نفسه»
أحد المزارعين خلال عمله فى الأرض
شكاوى متعددة من الفلاحين فى المحافظات والقرى المختلفة من اختفاء المرشد الزراعى وغيره من سبل الإرشاد منذ أعوام طويلة مضت، فرغم اعتمادهم الأساسى على تلك التوصيات التى كان يأتى بها المرشد إليهم صباح كل يوم يمر فيه عليهم، إلا أن تطورات الزمن جعلتهم فى حاجة إلى نصائح جديدة يواجهون بها العديد من الآفات والأمراض التى تصيب زرعهم ولا يعرفون لعلاجها طريقاً.
«المرشد الزراعى مابقاش معايا كل يوم، ولو شفته بشوفه من السنة للسنة، وبقى يجيلى بظروفها»، يقولها مصطفى رشوان، صاحب الـ77 عاماً، بعد أن ترك ما فى يديه، حيث كان يحصد القمح فى أرضه بمركز طوخ بمحافظة القليوبية، ليكمل حديثه وقد تبدت على وجهه تعابير الغضب من الحال الذى وصل إليه الفلاح المصرى: «مابقاش فيه مرشد زراعى زى بتاع زمان خالص، لأن جيل زمان مش زى أجيال اليومين دول، وكنا بنحس إن الناس القديمة ليهم خبرة فى كل حاجة».
«سطوحى»: كان بييجى الأرض يقولى أعمل إيه وأزرع إيه.. وصاحب محل مبيدات: «الفلاح مفيش قدامه غيرى لأن الجمعية مابقاش فيها أدوية»
حياة بائسة أصبح يعيشها الفلاح المصرى، حسب قول «مصطفى» الذى أكد أن الفلاح «طول عمره ظروفه تعبانة»، قبل أن يتطرق إلى مكسبه من الأرض الذى أصبح والعدم سواء: «لما أكون زارع أرض وأفضل أخدمها وآجى أحصدها ماتجبش محصول، ده بيتعبنى نفسياً، لأنى تعبت وفى الآخر ملقيتش»، ولم يكن غياب المرشد الزراعى وحده هو ما أثر فى «مصطفى» وإنما ظهور أمراض جديدة تصيب الزرع لم يعرف لها علاجاً: «دلوقتى المرض كتر من التلوث بتاع الجو اللى بقينا فيه والواحد مابقاش يعرف يعمل إيه».
لحظات صمت خيمت على الرجل السبعينى قبل أن ينتقل إلى الحديث عن زوجته المريضة، والغلاء الذى أصاب علاجها مثل الذى أصاب علاج إصابات الزرع: «مابقاش فيه حاجة فايضة للفلاح تهون عليه الإهانة اللى هو فيها، والزرع مابقاش يجيب همه، بس أنا لو قعدت فى البيت هزهق وبقيت أزرع الأرض للبهيمة وخلاص».
وفى محافظة الغربية كان الوضع أسوأ، حيث اختفى المرشد الزراعى نهائياً، ولم يعد له دور، ولو على فترات متباعدة، بين الفلاحين، وفق ما أوضح «على الشرقاوى» صاحب مزرعة فى مركز «زفتى»، ليضيف قائلاً: «أنا بقيت ماشى مع نفسى، والمرشد الزراعى مابقاش ليه وجود نهائى، ولو فيه آفة فى المحصول مابلاقيش حد يقولى أعالجها إزاى».
طرق بديلة حاول «على» أن يسلكها فى طريق البحث عن علاج للآفات التى تصيب زرعه، كان على رأسها اللجوء إلى محلات بيع المبيدات، إلا أنها لم تجد معه نفعاً: «بيدينى العلاج على حسب الزايد عنده، وبيعتمدوا على إن الفلاح مش عارف حاجة، وأغلبية الأدوية اللى عنده بتكون منتهية الصلاحية، بس غصب عنى لما بتزنق باخد ورقة من الزرع وأروح له بيها وآخد اللى يقولى عليه».
«على»: «بقيت أعتمد على نفسى ومحلات المبيدات بتبيع لنا أدوية منتهية الصلاحية.. ولو فيه آفة فى المحصول مابلاقيش حد يقولى أعالجها إزاى»
لم يكن الوضع فى الجمعية الزراعية لمركز زفتى بالأمر المرضى بالنسبة لـ«على»، فرغم تردده عليهم أكثر من مرة لأزمات مرت بها أرضه الزراعية، إلا أنه لم يجد منهم أى تجاوب، معبراً عن ذلك بقوله: «أنا آخر مرة شفت فيها مرشد زراعى كان من 20 سنة، ولما أروح الجمعية ألاقيهم قاعدين لا حول ليهم ولا قوة، ويقولك آدينا قاعدين على قد فلوسهم، ويا ريتهم بيقابلونا مقابلة كويسة وبيتعاملوا معانا كأننا شغالين عندهم، ولو قلت لواحد فيهم تعالى بص على الأرض يقولى وأنا مالى».
ولم يختلف الأمر كثيراً فى محافظة كفر الشيخ، وهو ما أشار إليه محمد أبوعرب، أحد المزارعين، والملقب بالفلاح المثالى للمحافظة، ليوضح أن الإرشاد الزراعى اختفى تماماً من المحافظة بدءاً من عام 2005: «الإرشاد نام من ساعتها ومصحيش تانى، وللأسف مفيش حد بيدور علينا دلوقتى، ولو فيه مكتب زراعى واحد يقولك هما بيدونى حاجة عشان أروح»، وهو الأمر الذى أحزن «أبوعرب» كثيراً، نظراً لأن المرشد الزراعى، حسب قوله، هو ذراع الفلاح اليمنى، مردداً تلك الأغانى التى ما زال يتذكرها: «المغناوى كان بيقول إرشاد زراعى دراعى بيراعى مع الفلاح».
حياة الفلاح لا يمكن أن تكتمل دون التوصيات الزراعية التى كان يتلقاها من سبل الإرشاد المختلفة، حسب ما أشار إليه «أبوعرب»، حيث يستطيع المرشد من خلال ما تعلمه توجيه الفلاح بالشكل المناسب «بمجرد ما يقف على الحوض يعرف إيه اللى فى الزرعة»، وهو الأمر الذى يعانى منه الكثيرون حالياً، فقد يفقد الفلاح محصوله وهو لا يدرى: «الإدارات الزراعية اللى موجودة جوا القرى والمراكز كنت زمان أمشى فيها بكتفى من كتر اللى فيها، دلوقتى بيبانها مقفولة من قلة الموظفين، وكنا ممكن نبقى قاعدين نلاقى مدير الجمعية نفسه بيمر علينا، ويقعد فى ريح منى وأسأله على حاجات حتى لو أنا عارفها عشان أطمن»، مضيفاً: «الفلاح المصرى أحلى فلاح فى العالم كله، وبيغير على زرعته زى ما بيغير على بلده، وللأسف الحكومة بتاعتنا دايسة على رقبة الفلاح بالجزمة القديمة».
وفى مركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة، اشتكى الستينى شعبان سطوحى، أحد المزارعين، من الأمر نفسه، حيث كان يعتمد فى صغره على المرشد الزراعى بصورة كبيرة فى كافة الأمور التى يحتاجها فى زراعة أرضه، فيقول: «المرشد الزراعى كان بييجى الأرض يقولى أعمل إيه وأزرع إيه، وكان بيفضل معايا طول الوقت وخطوة بخطوة، ولو الأرض كانت هتتزرع أكتر من حاجة هو اللى كان بيقسمها، وكان بيقولى أعزق الأرض أو أحرثها إمتى، ده غير إنه هو اللى كان بيحدد أنواع المبيدات».
أكثر من عشرين عاماً مرت على اختفاء المرشد الزراعى من أمام أعين «شعبان»، ليتدهور الأمر بعد ذلك فى الأراضى الزراعية تدريجياً، حسب قوله: «كل واحد بيزرع أرضه على كيفه دلوقتى، وحتى الجمعية الزراعية بقت تدى الفلاح كيماوى بس بعد ما كانت بتقدم كل حاجة الأول، فى الوقت اللى خريجين كليات ومعاهد الزراعة بيروحوا يشتغلوا عمال باليومية دلوقتى».
ويقول إيهاب شوقى، صاحب محل مبيدات فى مركز صان الحجر بمحافظة الشرقية، إن المشكلة لا تقتصر على المرشد الزراعى فحسب، وإنما ترجع فى الأساس، حسب قوله، إلى الحكومة نفسها التى تخلت عن الفلاح، معبراً بقوله: «لو بصينا من 10 سنين، كان فيه رش بطريقة دورية على طول فى محصول زى القطن مثلاً، واللى كان بيبقى بالطيارات فى التسعينات، وده كان بيساعد الفلاح جداً عشان كده مصر كانت متصدرة العالم فيه، دلوقتى إحنا بقينا فى المركز 32 وفى النازل، وده وقف واكتفوا بالرش العادى، وكان لازم يبقى فيه مهندس ملتزم إنه يرش المبيد ده بنفسه وفيه لجان مختصة تراقب عليه، وكل الكلام ده اختفى وبقوا سايبين الفلاح منه لنفسه».
وحول لجوء الفلاح إليه كصاحب محل مبيدات، أوضح «إيهاب» أن هذا أمر طبيعى فى ظل غياب المرشد الزراعى، الذى لا يمكن محاسبته حالياً، لأنه لا يملك تقديم المساعدة، قائلاً: «الجمعيات الزراعية مابقاش فيها حتى أى نوع من أنواع الأدوية اللى بيحتاجها الفلاح، ومحلات المبيدات مقضية الغرض، لكن المبيدات اللى عندى مفيش عليها دعم، وده يعتبر عبء على الفلاح من ناحية تانية، وييجى يبيع المحصول يلاقى اللى كلفه أكتر من اللى هيبيع بيه، وعشان كده فيه ناس دلوقتى بتسيب الأرض بايرة أوفر لها».