الطلاق على الإبراء في مصر.. حكايات الألم والابتزاز
صورة من إشهاد للطلاق على الإبراء
تحتل مصر مرتبة متقدمة بين الدول التي تشهد انفصالا بين الأزواج والزوجات، لدرجة أن الأمم المتحدة صنفت مصر بأنها الأولى عالميا في حالات الطلاق.
وللطلاق أشكال متعددة، إلاّ أن شكلا من هذه الأشكال يحمل قصصا أكثر ألما ووجعا، وهو الطلاق على الإبراء.
يقول أحمد بدر، المأذون الشرعي وإمام مسجد الرحمن الرحيم: "أغلب حالات الطلاق التي مرت عليا من ساعة ما بقيت مأذون، حالات طلاق على الإبراء. يعني أن تتنازل الزوجة عن كل حقوقها المادية والشرعية، مقابل الطلاق".
وتابع: "وصول السيدة لهذه الحالة، نتيجة لأمرين أولهما: شدة كره الزوجة للزوج، وطلبها الطلاق على الإبراء وموافقتها عليه، ناتج عن رغبتها في التخلص من الموضوع ككل، والثاني تعنت الزوج وتعذيبه لها وبالتالي تخضع لرغبته في الإبراء، وفي الحالتين الزوج مسؤول أمام الله عن حقوق زوجته التي استحلها".
ووفقا للإحصاءات والبيانات الرسمية، التي تم حصرها خلال عام 2016 من خلال مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء، فإن حالة طلاق واحدة، تحدث كل 4 دقائق، وإن مجمل حالات الطلاق على مستوى اليوم الواحد تتجاوز 250 حالة، لا تتجاوز فيها بعض حالات الزواج أكثر من عدة ساعات بعد عقد القران، وتسمر أخرى إلى نحو ثلاث سنوات لا أكثر.
ووصلت حالات "الخلع" عبر المحاكم أو الطلاق خلال عام 2015 إلى أكثر من ربع مليون حالة انفصال، مسجلة زيادة تقدر بـ89 ألف حالة عن العام الذي سبقه 2014.
وأكدت الأمم المتحدة في إحصاءاتها، أن نسب الطلاق ارتفعت في مصر من 7% إلى 40% خلال نصف القرن الماضي، ليصل إجمالي المطلقات في مصر إلى 4 ملايين مطلقة.
وتؤكد الإحصاءات الرسمية أن المحاكم المصرية، شهدت تداول نحو 14 مليون قضية طلاق في عام 2015، يمثل أطرافها 28 مليون شخص، أي نحو ربع تعداد سكان المجتمع المصري، حيث تشهد محاكم "الأسرة" طوابير طويلة من السيدات المتزوجات والراغبات في اتخاذ القرار الصعب في حياتهن، بلجوئهن إلى المحكمة المتخصصة في الأحوال الشخصية.
ويقول أحمد بدر، لـ"الوطن" إنه خلال فترة عمله كمأذون، التي تقترب من 5 سنوات، لم يجد إلا نسبة قليلة من الرجال، يؤدون الحقوق الشرعية لزوجاتهم عند الطلاق، وأن ما يقرب من 80% من الحالات التي كان موجودا فيها، كانت حالات إبراء.
ويتابع: "بعض حالات الطلاق، وهي حالات قليلة، تحصل فيها الزوجة على حقوقها، وعند الطلاق يقر الطرفان بأنه على الإبراء، لأن إعادة الزوجة في هذه الحالة، تتطلب شروطًا كأنهما يتزوجان من جديد، بمهر جديد ومؤخر جديد".
ويعرف المحامي عصام عجاج، الطلاق على الإبراء من الناحية القانونية، بأنه موافقة الزوجة وإمضاؤها على التنازل عن مستحقاتها المادية مقابل الطلاق.
ويرى أن الطلاق قريب من الخلع، إلا أن الزوجات يقررن الإبراء، نظرًا لأن قضايا الخلع تأخذ وقتًا طويلا في المحاكم.
وتنص قسيمة الطلاق على الإبراء والتي تسمى (إشهاد طلاق على الإبراء)، والتي حصلت "الوطن" على نسخة منها، على فقرة بعينها لإعفاء الزوج من الحقوق المادية لزوجته، وهي: أشهد الحاضران على أنفسهما بأنهما تزوجا ببعضهما، بموجب عقد الزواج الصادر من.. بتاريخ .. برقم .. وقررا أنهما دخلا ببعضهما وعاشرا بعضهما المعاشرة الزوجية ويرغبان الآن في الطلاق على الإبراء، ونطقت الزوجة قائلة لزوجها أبرأتك يا زوجي من مؤخري ومن نفقة عدتي ومن جميع حقوق الزوجية وأسألك الطلاق على ذلك. ويرد الزوج على زوجته، قائلا: وأنت يا زوجتي طالق مني على ذلك".
وتحكي غادة سليم، إحدى المطلقات على الإبراء، عن الأسباب التي دفعتها لذلك، فتقول: أنا جوازي كان تقليديا جدا. زواج صالونات. وبعد شهر من الزواج عرفت أن زوجي نصاب محترف وناصب على ناس كثيرة جدًا، وحاصل على قروض من بنوك وهارب من الدفع، بخلاف القروض والشيكات التي حصل عليها من أشخاص، وأغلبها كان بدون رصيد، وحكمت المحكمة عليه بأحكام، لكنه هرب ولم ينفذ".
وتتابع: "اختصارا زواجي كان بالنسبة له، مجرد صفقة، يتمكن من خلالها من استغلالي أنا وأسرتي ويستنزفنا ماديا، وفعلا بعد الطلاق عرفت أنه حصل من أهلي على مبالغ بالآلاف، بخلاف أنه استولى على شبكتي، ولما عرف أني حامل، طلب من أهلي يسددوا شيكاته، وإلا يجبرني على إسقاط الجنين".
وتختتم قائلة: "حينما طلبت الطلاق، ساوم على الطلاق، وطلب مني التنازل عن كل حقوقي، وحينما وجدني موافقة على ذلك، بدأ يساومني على دفع مبالغ مادية مقابل الطلاق نفسه، لكنه في النهاية طلقني بعدما هددناه بالإبلاغ عنه".
وتحكي منى محمود، وهي فتاة نوبية، نموذجا ثانيا، من مساومة الزوج مقابل الطلاق، فتقول: "أنا مشكلتي تتلخص في أني من النوبة، فعاداتنا وتقاليدنا تُضيع حقوقنا. أنا تزوجت بعد 6 شهور خطوبة، وكان نوبي هو الآخر، ولم أكتب قائمة بالمنقولات ولا غيره، لأن ذلك من عاداتنا. وبعد الزواج بشهر بدأت المشاكل، وكان عصبيا جدا وضربني أكتر من مرة لأسباب تافهة، وأهلي تدخلوا ورجعوني، لكن آخر مرة ضربني ضربا مبرحا قبل ولادتي بأسبوع، ما تسبب لي في نزيف حاد، فقررت الانفصال".
وتتابع: "في البداية رفض، لكنه بدأ يساومني على الطلاق مقابل الإبراء أو الخلع، لكي أتنازل عن كافة حقوقي، وكنت على وشك أن أفعل ذلك، لكن في لحظة النهاية شعرت بالمسؤولية وأن ما سأتنازل عنه هو حق طفلتي، علاوة على شعوري بأنه بموافقتي على ذلك سأسهل له الزواج من أخرى، لأني علمت بعد زواجي أنه تزوج قبلي، وزوجته ماتت بسكتة قلبية".
وتختتم قائلة: "قررت أحصل على حقي وحق ابنتي بالقانون، ورفعت قضايا منذ 3 سنين ونصف، وهو في المقابل يرفع قضايا طاعة، لإجباري على الإبراء، وطبعا المجتمع النوبي مختلف في عاداته والعائلة عندي وعنده يحاولون إجباري أني أخلص نفسي وأبريه، لأن ببساطة ومن وجهة نظرهم أنتي اللي عايزه تتطلقي وأيه يعني بيضربك استحملي وعيشي، لكن أنا أصريت على موقفي ورافضة للإبراء، لأن هذه حقوق طفلتي".
في المقابل، يدافع أحمد خالد، أحد المُطلقين على الإبراء، عن وجهة نظره قائلا: "أنا تحملت كل التكاليف وأنا أتزوج، ليس منطقيا أن أتحملها أيضًا عند الطلاق، وطالما الزوجة هي التي تريد الطلاق، فليس من حقها أي شيء".
ويتابع: "خلال فترة زواجي، تحملت الكثير، سواء من زوجتي أو والدتها، لكن في النهاية قررنا الانفصال، فقررت عدم تطليقها إلا على الإبراء".
ويختتم قائلا: "الكل يتصور أن الزوج هو الجاني، لكن في الحقيقة، وفي أوقات كثيرة، بيكون مجني عليه. مش قادر يعيش مع حد يتسبب له في مشاكل بشكل دائم. لا يستطيع تحمل الطلبات المرهقة".
ويقول، وليد عبدالمعطي، أحد المطلقين على الإبراء: "حاولت أن أكمل في حياتي الزوجية، وحينما طلبت زوجتي الطلاق، عرضت عليها أن يكون على الإبراء، في محاولة لردعها، لكنها صممت في النهاية على الطلاق، فطلقتها".
وتابع: "الزواج في مصر مرهق ماديًا، ليس منطقيا أن يكون الطلاق أكثر إرهاقا".