كتّاب وروائيون: تماسك الجبهة الداخلية حوّل الهزيمة إلى انتصار
رفعت السعيد
«أنعى لكم، يا أصدقائى، اللغة القديمة والكتب القديمة.. أنعى لكم كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة، أنعى لكم.. نهاية الفكر الذى قاد للهزيمة»، مقتطفات من قصيدة «هوامش على دفتر النكسة»، كتبها الشاعر نزار قبانى عقب هزيمة الجيش المصرى فى 5 يونيو 1967، ليعبّر عن مرارة الهزيمة التى ذاقها المصريون، لتصبح قصيدته واحدة من أهم القصائد والأغانى الإبداعية التى كُتبت فى تلك الفترة، إذ أثّرت الهزيمة فى نفوس عدد كبير من الشعراء، وعلى رأسهم الأبنودى وأمل دنقل، بجانب فرقة «ولاد الأرض» التى ظهرت بعد النكسة لإعادة بث الأمل فى نفوس المصريين لمواجهة الاحتلال، ولم يكن تأثير النكسة على الأدباء والشعراء وحدهم، بحسب كلام عدد من الكُتاب والروائيين، إنما انعكست آثارها على الحالة النفسية للمصريين الذين استيقظوا على خبر الهزيمة إلا أنهم ظلوا صامدين لمواجهة الاحتلال الإسرائيلى وتحقيق النصر، كما أثّرت النكسة على مصر سياسياً، إذ أصبح الشعب المصرى بعد الهزيمة على درجة كبيرة من الوعى جعلتهم ينظمون مظاهرة ضد المسئولين اعتراضاً على الأحكام التى صدرت ضد قادة الطيران رغم تسببهم فى الهزيمة، وامتد تأثيرها على الناحية الاقتصادية أيضاً، حيث فرضت الدولة إجراءات صارمة لتعبئة اقتصادها للإنتاج فى تلك الفترة مع رفع أسعار بعض السلع والخدمات، لكن الشعب المصرى واجه تلك الإجراءات حينها بالصبر والرضا.
«السعيد»: الشعب خرج بعفويته البطولية ورفض تنحى الرئيس
يقول رفعت السعيد، رئيس المجلس الاستشارى لحزب التجمع، إن الشعب المصرى تحمّل الكثير عقب الهزيمة، حتى إنه رفض تحميل عبدالناصر المسئولية، حيث كان الشعب مصمماً على النصر وهزيمة العدو الإسرائيلى حينها، رغم أنه فُرض عليه ما يسمى بـ«اقتصاد الحرب»، مضيفاً: «بعد الهزيمة، فرضت الدولة على المواطنين إجراءات صارمة لتعبئة اقتصادها للإنتاج خلال فترة الحرب، إلا أن المصريين تحملوا وصبروا حتى حققوا النصر».
وأضاف «السعيد» أن الشعب المصرى كان له موقف سياسى واضح عقب النكسة، إذ خرج بعفويته البطولية عقب يوم الهزيمة فى مظاهرات عارمة رافضاً تنحى الرئيس جمال عبدالناصر، أجبرت الجميع على عودة عبدالناصر مرة أخرى، إلا أنه بعد إجراء محاكمات لقادة الطيران وإصدار أحكام بسيطة لا تتناسب مع حجم الهزيمة خرج الشعب المصرى لأول مرة منذ ثورة 1952 فى مظاهرات سياسية معلنة رفضه للأحكام التى صدرت، ويتابع «السعيد»: «الشعب المصرى خفيف الدم بطبعه، حيث أُلفت العديد من النكت عن عبدالناصر فى ذلك الوقت»، وأشار «السعيد» إلى أن النتائج الفكرية والثقافية التى ترتبت على هزيمة 1967 كانت محكمة، إذ كانت جميع القصائد والأغانى والأفلام والمسلسلات التى أذيعت فى هذه الفترة تتحرك بكل قوة نحو بث الأمل فى نفوس المصريين، رغم أنه كانت هناك وقتها قبضة حديدية تمنع تسرب أى معلومات غير مقبولة، ومع ذلك تمكّن «يوسف إدريس» من نشر قصة قصيرة فى إحدى الجرائد تعبّر عن هزيمة مصر: «كانت القصة تدور حول أوتوبيس يمتلئ بالركاب من بينهم سيدة، هجم عليه بعض الناس وانتهكوا عرض السيدة ولم يتمكن الركاب من التصدى لهم، والمغزى من هذه القصة كان واضحاً، إذ تمثل هذه السيدة مصر والركاب هم الجيش المصرى وسكوتهم حينها عن التصدى للعدو لم يكن علامة رضا وإنما بلادة».
ويقول أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكى المصرى، إن هزيمة 1967 كانت مفاجأة صادمة بالنسبة للشعب المصرى الذى توقع قبل بداية الحرب الانتصار وهزيمة العدو الإسرائيلى، إذ كانت الدعاية حينها تشير إلى أن مصر أقوى قوة ضاربة فى الشرق الأوسط، ومن الصعب أن تهزم إسرائيل الجيش المصرى، وأن الحرب ستنتهى لصالح مصر، لافتاً إلى أن الهزيمة كان لها تأثير كبير على كافة النواحى، خاصة على الحالة النفسية للمصريين الذين استيقظوا على خبر أن إسرائيل على بُعد 100 كيلومتر من عاصمة مصر، ويتابع «بهاء الدين»: «رغم الهزيمة وما نتج عنها من تحطيم الجيش المصرى والمعدات الحربية فإن الشعب المصرى كان صامداً وله الفضل فى التصدى للهزيمة، حيث بدأ المصريون فى رحلة ملحمية وكانوا على قلب رجل واحد للتصدى للعدوان والتغلب على الهزيمة».
واختتم «بهاء الدين» حديثه قائلاً: «أعتقد أن هذه الفترة التى مرت بها مصر من أهم الفترات التى يمكن الاستفادة من تجربتها فى إعادة بناء التحالف الوطنى لمواجهة الإرهاب لأن تلك الفترة كانت نموذجاً لكيف يمكن لشعب أن يخلق من هزيمة انتصاراً كبيراً يذكره التاريخ حتى الآن».
ويرى «إبراهيم عبدالمجيد»، روائى وكاتب، أن النكسة لم يكن لها تأثير سلبى على الشعب المصرى من الناحية الاجتماعية، فرغم وجود نقص فى السلع الغذائية فى الأسواق جراء الحرب، كانت هناك حالة من الرضا والتحمل والتكاتف من قبَل الشعب، مشيراً إلى أن الحكومة كانت تسعى إلى توفير السلع الغذائية المختلفة، إذ بدأ العمل باستخدام البطاقات التموينية لتوفير بعض السلع الرئيسية، بجانب الجمعيات التعاونية التى شهدت زحاماً شديداً فى هذه الفترة، ويقول: «ظلت الأوضاع فى مصر مستقرة حتى عام 1968، حين صدرت أحكام بسيطة على قادة الطيران، إذ خرجت مظاهرات ضد الهزيمة والقادة مطالبة بحساب المتسببين فى الهزيمة ومعاقبتهم، فبعد الهزيمة أصبح الشعب المصرى على درجة كبيرة من الوعى جعلتهم ينظمون مظاهرة لمحاكمة المسئولين بعدما اكتشفوا وجود فساد كبير بين القادة السياسيين والعسكريين».